مسلم بن عقيل عليه السلام قصّة معقل

اشارة

الكتاب : قصّة معقل

المؤلف : السيّد علي السيّد جمال أشرف

الناشر : مکتبه الرباب الحسینیه

عدد الصفحات والقطع : 162 صفحة - پالتويي

الطبعة : الأُولى

سنة الطبع : 1388 ش - 1431 ه

عدد المطبوع : 1500 نسخة

المطبعة :

الشابك :قصّة معقل

خیراندیش دیجیتالی : بیادبود مرحوم حاج سید مصطفی سید حنایی

ص:1

اشارة

مسلم بن عقيل عليه السلام قصّة معقل

تأليف : السيّد علي السيّد جمال أشرف الحسيني

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

* قصّة معقل

المقدّمة

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين وآله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين .

وصلّى اللّه وسلّم على سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة الإمام المكروب ، المغموم، العطشان ، الشهيد ، المسلوب ، المنهوب الخباء ،

وعلى أخيه وابن عمّه وصهره وسفيره وثقته الواثق مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، وعلى أبيه وإخوته وبنيه .

أمّا بعد :

فإنّ الحرب التي حمل رايتها الأمويون ، ومن سلّطهم على رقاب المسلمين ، لم تنته بعد

ص: 5

منذ أن بادروا الى مواجهة خاتم النبيين صلى الله عليه و آله

إلى يوم الناس هذا ، وستبقى حتى ظهور المنقذ الأعظم والطالب بدم الحسين عليه السلام والآخذ بذحول الأنبياء والأوصياء والشهداء .

ولم تكن الحرب المفتوحة هذه تنحصر في صورة أو مشهد أو موقف معين ، كما أنّها لم تنحصر في زمن من الأزمان . . .

وقد امتاز الأمويون عبر التاريخ بالإعلام القوي ، والحرب النفسية ، والتسلّل الماكر الى قلوب الناس وأفكارهم ، وتغذيتهم بالسموم الفتّاكة ذات المنظر الخدّاع ، وقد اشتهر كلامهم على الألسن « للّه جنود من عسل » .

وكانت حربهم الإعلامية على سيد الشهداء عليه السلام قوية ماكرة تتّسم بالخبث والشيطنة بحيث صوّرت سبط النبي صلى الله عليه و آله

وريحانة الرسول وسيد شباب أهل الجنة للمغرّر بهم من السذج في صورة الخارجي ، وأبدت سكان سرادق العزّ من مخدرات الرسالة وعقائل الوحي في مشهد السبايا .. .

ص: 6

وقد جهد الأمويون في تشويه صورة أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين وأصحابهم الغرّ الميامين عليهم صلوات ربّ العالمين ، وتقديمهم الى التاريخ باعتبارهم لا يعرفون من السياسة والتعامل الإجتماعي شيئا ، فيما يرسم لنا آل أمية وأذنابهم في صور مضلّلة كأنّهم دهاة السياسة وعفاريت التاريخ !

فإذا كان هذا دأبهم مع المعصومين الأبرار الذين شهد لهم الكتاب والسنة بالطهارة والعصمة والقدس ، فما ظنّك بأنصارهم والمدافعين عنهم والمحامين عن حريمهم . . .

وربما اضطر العدو أحيانا الى ما يخاله نيلاً من أصحاب الأئمة عليهم السلام عموما ، وأنصار سيد الشهداء عليه السلام خصوصا ، لأنّه لا يجد في الإمام مغمزا ولا مهمزا، فيحاول الاقتراب من حريمه من خلال التعرّض لأقرب الشخصيات منه ، والسعي في تهديم الأركان التي بنيت عليها أسس معسكرات الهدى .

ص: 7

كما جهد الأمويون في تقديم مسوخهم في صور حسناء مزيفة خدّاعة كخضراء الدمن .. .

فلا ينبغي الخضوع للتاريخ الملوّث الذي كتبه المؤرخ المأجور الذي يكتب على أنغام رنين الدراهم والدنانير إلاّ إذا كان منسجما مع الموقف المعصوم ، أو لا يعارضه على الأقلّ .

فنحن لا نقبل ما يرويه لنا التاريخ في أشخاص عرفناهم من خلال تقييم أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وإنّما نعرض كلّما نسمعه على كلامهم ومواقفهم ، فما وافقها قبلناه ، وما خالفها ضربنا به عرض الجدار ، ولا كرامة .

وقد استهدف مسلم بن عقيل عليهماالسلاماستهدافا خاصا من قبل الأمويين لأسباب معروفة ، فحاولوا عرضه في صورة لا تقدح فيه وحده ، وإنّما تتعرّض الى قيام سيد الشهداء عليه السلام ، وقد خابوا وضلّوا ضلالاً بعيدا .

* * *

ص: 8

وممّا يطول فيه العتب على المؤرخ أنّه اهتم بسفاسف الأمور ، والأنذال والأوباش ، وأهمل العظماء الذين رسموا التاريخ وحدّدوا معالمه ، من أمثال مسلم بن عقيل عليهماالسلام الذي مثّل أدقّ وأهمّ فترة في تاريخ البشرية ، واختطت حركته أكبر منعطف غيّر مسيرة خطّي التوحيد والضلال .

وقد نسب التاريخ لساحة مولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام المثال النيّر للقدس والطهارة في

النسب والحسب والمحتد والعلم ومكارم الأخلاق والدين والتقى والسمو والرفعة والشجاعة والبطولة والتسليم للّه ولرسوله والأئمة الطاهرين عليهم السلام ، نسب اليه ما حكاه من قصّة اختراق « معقل » جاسوس الدعي ابن الدعي لمقرّ قيادته على علم منه !

وقد حاولنا في هذه الوجيزة العاجلة مناقشة هذه القصّة ، بحول اللّه وقوته .

* * *

ص: 9

وفي الختام :

ما كان في ثنايا هذه الأوراق من كلام صحيح نافع فيه الخير والصلاح ، فهو من أهل البيت عليهم السلام ، وما كان شططا أو خطأ فهو منّي ، وأستغفر اللّه لي وللمؤمنين ، والحمد للّه ربّ العالمين .

نرجو من اللّه السميع العليم أن يتقبّل منّا هذا القليل ، وينفعنا به ووالدينا يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا خليل ، ولا يحرمنا وأزواجنا وذريّتنا خدمة زين السماوات والأرضين سيد الشهداء الحسين عليه السلام في الدنيا والآخرة ، ويجعل عملنا وحبّنا واعتقادنا فيما يرضيه ويرضي النبي الأمين صلى الله عليه و آله ، وأمير المؤمنين وذريّته الطاهرين المعصومين عليهم السلام

بحقّ سيدنا ومولانا مهيّج أحزان يوم الطفوف وأخته فاطمة المعصومة عليهماالسلام .

* * *

ص: 10

اللّهم اغفر لنا ولوالدينا ولأزواجنا وذريّتنا وإخواننا المؤمنين ، وعجّل فرج ولي أمرنا ، الطالب بدم جدّه الحسين عليه السلام آمين ربّ العالمين .

ص: 11

ص: 12

القصّة في المصادر التاريخية

اشارة

وردت قصّة « معقل الجاسوس » في أغلب المصادر التي أشارت الى جهاد سيدنا ومولانا مسلم بن عقيل عليهماالسلام في الكوفة ، وسوف نقتصر على ذكر أمهات المصادر التي ذكرتها حسب التسلسل التاريخي لوفاة المؤلفين ، ونحسب أنّ كلّ من تلا هذه المصادر إنّما أخذ عنها ، لأنّنا لم نجد لها مصدرا تاريخيا آخر أقدم ممّا سنذكره :

ص: 13

ص: 14

البلاذري (ت 279) في أنساب الأشراف:

اشارة

ودسّ ابن زياد مولى يقال له « معقل » ، وأمره أن يظهر أنّه من شيعة علي ، وأن يتجسّس من مسلم ، ويتعرّف موضعه ، وأعطاه مالاً يستعين به على ذلك .

فلقي « معقل » مولى ابن زياد مسلم بن عوسجة الأسدي ، فقال له : إنّي رجل محبّ لأهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد بلغني أنّ رجلاً منهم بعث به الحسين بن علي - صلوات اللّه عليه - إلى شيعته من أهل الكوفة ، ومعي مال أريد أن أدفعه إليه يستعين به على أمره وأمركم .

فركن ابن عوسجة إليه !!! وقال له الرجل القادم من قبل الحسين بن علي هو مسلم بن عقيل ، وهو ابن عمّه ، وأنا مدخلك إليه . . .

وجعل معقل مولى ابن زياد يختلف إلى ابن عوسجة يقتضيه ما وعده من إدخاله إلى

ص: 15

مسلم بن عقيل ، فأدخله إليه ، وأخذ منه مسلم بيعته ، وقبض المال الذي كان أعطاه إياه عبيد اللّه بن زياد منه ، وذلك بعد موت شريك بن الأعور .

فأتى معقل ابن زياد ، فحدّثه بما كان منه ، وبقبض مسلم بن عقيل المال في منزل هانئ بن عروة بن نمران المرادي ، فقال : أفعلها هانئ(1) ؟!

ص: 16


1- أنساب الأشراف للبلاذري : 79 - 80 .

نقاط مهمة في نص البلاذري :

الأولى : لم يحدّد النصّ لمعقل هوية أكثر من أنّه مولى لابن زياد ، ولم يذكر أنّه مولى من أهل الشام .

الثانية : لم يحدّد كمية المال المدفوع له .

الثالثة : دفع ابن زياد المال ليستعين به معقل ، ولم يحدّد له كيفية إستعماله ، وهل هو له أو يجب عليه أن يدفعه لمسلم عليه السلام وأصحابه .

الرابعة : لم يحدّد المكان الذي حصل فيه اللقاء بين معقل وابن عوسجة .

الخامسة : تمّ لقاء معقل وابن عوسجة مباشرة ، وكأنّ معقلاً يعرفه بعينه من دون أن يكون قد سمع من الناس شيئا ، ولا أنّه سأل عنه .

السادسة : أعلن معقل أنّه ممّن يحبّ أهل البيت عليهم السلام ، ولم يذكر أنّه يحبّ من يحبّهم .

السابعة : أعلن معقل أنّه يعرف أنّ القادم إنّما هو رجل من أهل البيت عليهم السلام .

ص: 17

الثامنة : ركن ابن عوسجة لمعقل بمجرد أن فتح الحديث معه .

التاسعة : ركن ابن عوسجة اليه فورا ، ووعده بالدخول على مسلم بن عقيل عليه السلام

دون أيّ مقدّمات أو شروط ، وعرّفه باسم المبعوث ونسبته مع الحسين عليه السلام .

العاشرة : الذي أخذ البيعة مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، وهو الذي قبض المال .

الحادية عشرة : تمّ الاختراق بعد موت شريك .

الثانية عشرة : غاية ما أخبر معقل ابن زياد هو أنّ الذي باشر قبض المال إنّما هو مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، وأخبره بموقع مسلم عليه السلام لا أكثر .

الثالثة عشرة : لم تشر القصّة الى مواثيق

مسلم التي أخذها على معقل ، ولا التزام معقل الدخول والخروج على مسلم عليه السلام وأصحابه ، وكلّ ما استفاده إنّما هو من تلك الدخلة الواحدة التي سلّم فيها المال وأعطى البيعة .

ص: 18

الدينوري (ت 282) في الأخبار الطوال:

اشارة

وخفي على عبيد اللّه بن زياد موضع مسلم بن عقيل ، فقال لمولى له من أهل الشام يسمى « معقلاً » ، وناوله ثلاثة آلاف درهم في كيس ، وقال : خذ هذا المال ، وانطلق ، فالتمس مسلم بن عقيل ، وتأتّ له بغاية التأتي .

فانطلق الرجل حتى دخل المسجد الأعظم ، وجعل لا يدري كيف يتأتّى الأمر .

ثم إنّه نظر إلى رجل يكثر الصلاة إلى سارية من سواري المسجد ، فقال في نفسه : إنّ هؤلاء الشيعة يكثرون الصلاة ، وأحسب هذا منهم .

فجلس الرجل حتى إذا انفتل من صلاته قام ، فدنا منه ، وجلس ، فقال : جعلت فداك ، إنّي رجل من أهل الشام ، مولى لذي الكلاع ، وقد أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وحبّ من أحبّهم ، ومعي هذه الثلاثة

ص: 19

آلاف درهم ، أحبّ إيصالها إلى رجل منهم ، بلغني أنّه قدم هذا المصر داعية للحسين بن علي عليهماالسلام ، فهل تدلّني عليه لأوصل هذا المال

إليه ؟ ليستعين به على بعض أموره ، ويضعه حيث أحبّ من شيعته .

قال له الرجل : وكيف قصدتني بالسؤال عن ذلك دون غيري ممّن هو في المسجد ؟

قال : لأنّي رأيت عليك سيماء الخير ، فرجوت أن تكون ممّن يتولّى أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

قال له الرجل : ويحك ، قد وقعت عليّ بعينك ، أنا رجل من إخوانك ! واسمي مسلم بن عوسجة ، وقد سررت بك ، وساءني ما كان من حسّي قبلك ، فإنّي رجل من شيعة أهل هذا البيت خوفا من هذا الطاغية ابن زياد ، فأعطني ذمّة اللّه وعهده أن تكتم هذا عن جميع الناس .

فأعطاه من ذلك ما أراد .

ص: 20

فقال له مسلم بن عوسجة : انصرف يومك هذا ، فإن كان غد فائتني في منزلي حتى أنطلق معك إلى صاحبنا - يعني مسلم بن عقيل - فأوصلك إليه .

فمضى الشامي ، فبات ليلته ، فلمّا أصبح غدا إلى مسلم بن عوسجة في منزله ، فانطلق به حتى أدخله إلى مسلم بن عقيل ، فأخبره بأمره ، ودفع إليه الشامي ذلك المال ، وبايعه .

فكان الشامي يغدو إلى مسلم بن عقيل ، فلا يحجب عنه ! فيكون نهاره كلّه عنده ، فيتعرّف جميع أخبارهم ، فإذا أمسى وأظلم عليه الليل دخل على عبيد اللّه ابن زياد ، فأخبره بجميع قصصهم ، وما قالوا وفعلوا في ذلك ، وأعلمه نزول مسلم في دار هانئ بن عروة .

ثم ساق الأحداث حتى بلغ إعتقال هاني بن عروة ، فقال في معرض سرد الحوار بين ابن زياد وهاني :

ص: 21

فقال هانئ : ما فعلت ، وما أعرف من هذا شيئا .

فدعا ابن زياد بالشامي ، وقال : يا غلام ، ادع لي معقلاً .

فدخل عليهم ، فقال ابن زياد لهاني بن عروة : أتعرف هذا ؟

فلما رآه علم أنّه إنّما كان عينا عليهم(1) .

ص: 22


1- الأخبار الطوال للدينوري : 235 وما بعدها .

نقاط مهمة في نصّ الدينوري :

الأولى : حدّد أنّ معقلاً كان من أهل الشام ، وأنّه مولى لذي الكلاع .

الثانية : حدّد كمية المال ، وأنّه ثلاثة آلاف درهم .

الثالثة : فيه وصية بالتأتي له والحذر .

الرابعة : حدّد موضع اللقاء ، وهو المسجد الأعظم .

الخامسة : جهل معقل طريقة التأتي ، وجعل لا يدري كيف يتأتى الأمر .

السادسة : اعتمد معقل على تفرّسه ومعرفته ابن عوسجة من خلال صفات الشيعة ، وأنّهم يكثرون الصلاة .

السابعة : تمّ الأمر بينه وبين نفسه من خلال الحوار الذي دار في خلده ، ولم يذكر أنّه استعان بالآخرين ، لا بالاستماع منهم ، ولا السؤال منهم .

الثامنة : أضاف هنا أنّه يحبّ من يحبّ أهل البيت عليهم السلام .

ص: 23

التاسعة : حدّد الغرض من دفع المال لمسلم عليه السلام ، وأعلن أنّه يحبّ أن يسلّم المال له هو بنفسه .

العاشرة : ذكر أنّ المال لمسلم بن عقيل عليهماالسلاميستعين به ، ويضعه حيث شاء من شيعته ، فهو مال يمكن أن يصل لأفراد الشيعة . . خطوة لإثارة الطمع .

الحادية عشرة : أثار تعرّض معقل لابن عوسجة مباشرة شكّه وسأله ، بخلاف ما ذكره البلاذي من الركون المباشر .

الثانية عشرة : أفاد أنّ في المسجد غيره ، وقد توجه اليه معقل دون غيره .

الثالثة عشرة : صرّح معقل لابن عوسجة أنّه توسّم فيه الخير ، ولم يذكر مراقبته له ، وأنّه كان يكثر الصلاة ، وأنّه إنّما فاتح ابن عوسجة هكذا ظنّا ورجاءا ، فصدق ظنّه ورجاءه .

الرابعة عشرة : اعترف ابن عوسجة بموقعه مباشرة من دون أيّ تحرّج واحتياط .

ص: 24

الخامسة عشرة : جعله من إخوانه فورا وبدون أيّ سابق معرفة ، فقال له : أنا رجل من إخوانك !!!

السادسة عشرة : كشف له ابن عوسجة عن اسمه وانتسب له فورا .

السابعة عشرة : أعرب له عن فرحه باكتساب معقل « المجهول » وانضمامه الى صفّ الثوّار .

الثامنة عشرة : أعرب ابن عوسجة عن عدم ارتياحه لاكتشافه ، ثم أصحر له عن هويته من دون تحرج .

التاسعة عشرة : أخذ منه عهدا وطالبه بذمّة اللّه أن يكتم ذلك عن الناس جميعا ، وهو قد فضح نفسه - حسب النص - لمجرد سؤال عابر سأله معقل .

العشرون : حدّد ابن عوسجة اليوم التالي للقائه موعدا .

الحادية والعشرون : حدّد مكان اللقاء ، وهو بيت مسلم .

ص: 25

ويلاحظ أنّ مسلما يثق به حتى يواعده في بيته ، ولم يطلب منه معقل عنوان البيت ، وكأنّه يعرفه ، أو أنّه معروف ، أو أنّه سأله العنوان وأغفله الخبر .

الثانية والعشرون : شارك ابن عقيل هنا مسلم بن عوسجة في العلم بالاختراق والرضا به .

الثالثة والعشرون : صار معقل يغدو فلا يحجب عن مسلم بن عقيل عليهماالسلام بالذات منذ اللقاء الأول .

ص: 26

الطبري في تاريخ الطبري ( ت 310 ) :

اشارة

ودعا ابن زياد مولى يقال له « معقل » فقال له : خذ ثلاثة آلاف درهم ، ثم اطلب مسلم بن عقيل ، واطلب لنا أصحابه ، ثم أعطهم هذه الثلاثة آلاف ، فقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم ،

فإنّك لو قد أعطيتها إياهم اطمأنوا إليك !

ووثقوا بك !

ولم يكتموك شيئا من أخبارهم !!!

ثم اغد عليهم ورح .

ففعل ذلك ، فجاء حتى أتى إلى مسلم بن عوسجة الأسدي من بنى سعد بن ثعلبة في المسجد الأعظم وهو يصلّى ، وسمع الناس يقولون : إنّ هذا يبايع للحسين .

فجاء فجلس حتى فرغ من صلاته ، ثم قال : يا عبد اللّه ، إنّي امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع ، أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل

ص: 27

هذا البيت ، وحبّ من أحبّهم ، فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكنت أريد لقاءه ، فلم أجد أحدا

يدلّني عليه ، ولا يعرف مكانه ( كذا في نسخة الطبري الموجودة عندنا وفي مقاتل أبي الفرج : لأعرف مكانه ) ، فإنّي لجالس آنفا في المسجد إذ سمعت نفرا من المسلمين يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت ، وإنّي أتيتك لتقبض هذا المال وتدخلني على صاحبك فأبايعه ، وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه .

فقال : أحمد اللّه على لقائك إياي ، فقد سرّني ذلك ، لتنال ما تحبّ ، ولينصر اللّه بك أهل بيت نبيه ، ولقد ساءني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أن ينمى ، مخافة هذا الطاغية وسطوته .

فأخذ بيعته قبل أن يبرح ! وأخذ عليه المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك ما رضى به .

ص: 28

ثم قال له : اختلف إليّ أياما في منزلي ، فأنا طالب لك الإذن على صاحبك .

فأخذ يختلف مع الناس ، فطلب له الإذن .

ثم إنّ معقلاً مولى ابن زياد الذي دسّه بالمال إلى ابن عقيل وأصحابه اختلف إلى مسلم بن عوسجة أياما ليدخله على ابن عقيل.

فأقبل به حتى أدخله عليه بعد موت شريك بن الأعور ، فأخبره خبره كلّه ، فأخذ ابن عقيل بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي ، فقبض ماله الذي جاء به ، وهو الذي كان يقبض أموالهم ، وما يعين به بعضهم بعضا ، يشترى لهم السلاح ، وكان به بصيرا ، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة .

وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، فهو أول داخل وآخر خارج ، يسمع أخبارهم ، ويعلم أسرارهم ، ثم ينطلق بها حتى يقرّها في أذن ابن زياد(1) . . .

ص: 29


1- تاريخ الطبري : 270 - 272 .

ثم ساق الخبر الى أن قال :

فلمّا كثر ذلك بينهما ، وأبى هاني إلاّ مجاحدته ومناكرته دعا ابن زياد معقلاً ذلك العين ، فجاء حتى وقف بين يديه ، فقال : أتعرف هذا ؟

قال : نعم ، وعلم هاني عند ذلك أنّه كان عينا عليهم ، وأنّه قد أتاه بأخبارهم ، فسقط في خلده ساعة !!

ص: 30

نقاط مهمة في نصّ الطبري :

الأولى : المطلوب مسلم بن عقيل عليهماالسلام

وأصحابه(1) .

الثانية : التركيز على أنّ المال سيؤدي دوره ، ويؤثر أثره في مسلم عليه السلام وأصحابه ، لأنّه يؤكد أنّهم سيفشون له كلّ الأسرار ولا يكتمونه بمجرد دفع المال لهم .

التركيز على أنّهم يبيعون كلّ شيء من أجل المال أي أنّ كلّ ما يبحثه أصحاب مسلم عليه السلامإنّما هو المال ، ومن أجله يبيعون له كلّ شيء .

الثالثة: ابن زياد يأمر معقلاً أن يغدو عليهم ويروح ، وهذا أكثر ما يطمع به ابن زياد .

إلاّ أنّ مسلما عليه السلام وأصحابه لم يحجبوه وقرّبوه حتى صار أكثر من « واحد منهم » في لحظة واحدة حسب النصّ .

ص: 31


1- لم ينقل لنا التاريخ أنّه تعرّف على أحد أصحاب مسلم بن عقيل عليه السلام سوى مسلم بن عوسجة .

« ويلاحظ فيما يأتي أنّ ابن زياد يحذّر من كثرة التردّد لئلا يكتشف ، فلاحظ » .

الرابعة : يغيب تفرّس معقل ومعرفته بالرجال في رواية الطبري ، ويتعرّف الى مسلم بن عوسجة من خلال كلام الناس .

الخامسة : يعرض معقل على ابن عوسجة أن يقبض المال بنفسه ، ويأخذ منه البيعة لمسلم عليه السلام .

« فيما كان في المصادر السابقة وقبل سطور من الطبري نفسه يطلب اللقاء والبيعة ودفع المال لمسلم عليه السلام بالذات » .

السادسة : طرح ابن عوسجة الثقة بمعقل فورا ، ثم ساءه ذلك ، واطمأن بسرعة من دون أيّ إنكار .

السابعة : أخذ ابن عوسجة البيعة من معقل في المجلس قبل أن يبرح .

ص: 32

الثامنة : أمره ابن عوسجة أن يختلف اليه أياما .

التاسعة : عبّر ابن عوسجة عن مسلم عليه السلام

بأنّه « صاحب معقل » ، وهكذا صارت علاقة معقل بمسلم بن عقيل عليه السلام وطيدة وثيقة منذ اللقاء الأول ، إلاّ أن يقال : إنّ المراد من « صاحبك » أي طلبتك !!

العاشرة : إنّ الناس كانت تختلف الى ابن عوسجة ، وكان معقل يختلف اليه معهم .

الحادية عشرة : ذكر هنا طلب الإذن لمعقل من مسلم بن عقيل عليه السلام .

الثانية عشرة : التأكيد على أنّ ابن عوسجة أخبر مسلم بن عقيل عليهماالسلام بخبر معقل « كلّه » يعني أنّ مسلما عليه السلام أيضا كان على علم بالاختراق وتفاصيله .

الثالثة عشرة : الذي قبض المال هنا أبو ثمامة وليس مسلم بن عقيل عليه السلام ، ولا ابن عوسجة ، كما في المصادر السابقة .

ص: 33

الرابعة عشرة : لم يذكر الطبري ولا غيره ما هي هذه الأسرار التي علمها ، والأخبار التي سمعها سوى معرفته بمكان مسلم عليه السلام .

ص: 34

أحمد بن أعثم الكوفي ( ت 314 ) في كتاب الفتوح

اشارة

ودعا عبيد اللّه بن زياد بمولى له يقال له « معقل » ، فقال : هذه ثلاثة آلاف درهم خذها إليك ، والتمس لي مسلم بن عقيل حيث كان من الكوفة ، فإذا عرفت موضعه ، فادخل إليه ، وأعلمه أنّك من شيعته ، وعلى مذهبه !! وادفع إليه هذه الثلاثة آلاف درهم ، وقل له : استعن بهذه على عدوّك ،

فإنّك إذا دفعت إليه الثلاثة آلاف درهم وثق بناحيتك !

واطمأن عليك !

ولم يكتمك من أمره شيئا !

وفي غداة غد تعدو عليّ بالأخبار .

قال : فأقبل معقل مولى عبيد اللّه بن زياد حتى دخل المسجد الأعظم ، فرأى رجلاً من الشيعة يقال له : مسلم بن عوسجة الأسدي .

ص: 35

فجلس إليه ، فقال : يا عبد اللّه ، إنّي رجل من أهل الشام ، غير أنّي أحبّ أهل هذا البيت ، وأحبّ من أحبّهم ، ومعي ثلاثة آلاف درهم أريد أن أدفعها إلى رجل قد بلغني عنه أنّه يقدم ! إلى بلدكم هذا يأخذ البيعة لابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آلهالحسين بن علي ، فإن رأيت أن تدلّني عليه حتى أدفع إليه المال الذي معي وأبايعه ؟ وإن شئت فخذ بيعتي له قبل أن تدلّني عليه .

قال : فظنّ مسلم بن عوسجة أنّ القول على ما يقول !!

فأخذ عليه الأيمان المغلظة والمواثيق والعهود ، وأنّه يناصح ، ويكون عونا لمسلم بن عقيل - رحمه اللّه - على عبيد اللّه بن زياد .

قال : فأعطاه موثقا من الأيمان ، وما وثق به مسلم بن عوسجة ، ثم قال له : انصرف عنّي الآن يومي هذا حتى أنظر ما يكون !

قال : فانصرف معقل مولى زياد .

ص: 36

فلمّا كان من الغد أقبل معقل مولى عبيد اللّه بن زياد إلى مسلم بن عوسجة ، فقال له : إنّك كنت وعدتني أن تدخلني على هذا الرجل فأدفع إليه هذا المال ، فما الذي بدا لك في ذلك ؟

فقال : إذا أخبرك - يا أخا أهل الشام - إنّا شغلنا بموت هذا الرجل « شريك بن عبد اللّه » ، وقد كان من خيار الشيعة وممّن يتوالى أهل هذا البيت .

فقال معقل مولى عبيد اللّه بن زياد : ومسلم بن عقيل في دار هانئ ؟

فقال : نعم !!!

قال : فقال معقل : فقم بنا إليه حتى ندفع إليه هذا المال وأبايعه .

قال : فأخذ مسلم بن عوسجة بيده ، فأدخله على مسلم بن عقيل ، فرحّب به مسلم ، وقرّبه وأدناه !! وأخذ بيعته ، وأمر أن يقبض منه ما معه من المال .

ص: 37

فأقام معقل مولى عبيد اللّه بن زياد في منزل هانئ يومه ذلك ، حتى إذا أمسى انصرف إلى عبيد اللّه بن زياد معجبا لما قد ورد عليه من الخبر .

ثم قال عبيد اللّه لمولاه : انظر أن تختلف إلى مسلم بن عقيل في كلّ يوم لئلا يستريبك ، وينتقل من منزل ابن! هانئ إلى مكان غيره ، فأحتاج أن ألقى في طلبه عتبا(1) !

ثم ساق الخبر حتى بلغ الى إعتقال هاني فقال :

فقال له هانئ بن عروة : وما ذاك أيّها الأمير ؟ فقال : باللّه يا هانئ جئت بمسلم بن عقيل ، وجمعت له الجموع من السلاح والرجال في الدار حولك ، وظننت أنّ ذلك يخفى عليّ ، وأنّي لا أعلم ؟

فقال : ما فعلت !

قال ابن زياد : بلى قد فعلت !

ص: 38


1- كتاب الفتوح لابن أعثم : 5/41 - 44 .

قال : ما فعلت !

فقال ابن زياد : أين معقل ؟

فجاء معقل حتى وقف بين يديه ، فنظر هانئ إلى معقل مولى زياد ، فعلم أنّه كان عينا عليهم ، وأنّه هو الذي أخبر ابن زياد عن مسلم عليه السلام .

ص: 39

نقاط مهمة في نصّ ابن أعثم :

الأولى : كأنّ مهمة معقل هي عبارة عن استماع أخبارهم في الدخلة الأولى ليس أكثر « وفي غداة غد تعدو عليّ بالأخبار » .

الثانية : لم يذكر كيف تعرف معقل على ابن عوسجة ، وإنّما دخل المسجد فرأى رجلاً من الشيعة فجلس اليه . . .

الثالثة : يفيد أنّه لم يعلم بقدوم مسلم عليه السلام ، وإنّما يتوقّع قدومه « قد بلغني عنه أنّه يقدم ! إلى بلدكم هذا » . .

الرابعة : يتبرّع معقل بإعطاء البيعة دون المال حيث يريد تسليم المال بنفسه لمسلم بن عقيل عليه السلام .

الخامسة : ظنّ مسلم عليه السلام أنّ معقلاً كما يزعم ويقول ، ولم يثق به ، وإنّما عمل بالظنّ والاحتمال « فظنّ مسلم بن عوسجة أن القول على ما يقول !! » .

ص: 40

السادسة : لم يذكر الكتمان عند أخذ العهود والمواثيق منه ، وإنّما اشترط عليه العون والمناصحة في العمل .

السابعة : لم يحدّد موعدا ولم يعده بشيء سوى أنّه ينظر ما يكون ، فيما طالبه معقل بالوفاء بالوعد !

الثامنة : قوله « إذا أخبرك » كأنّ فيه إشعار أنّه يكشف له سرّا ويذكر له سبب انشغاله عنه . « إذا أخبرك - يا أخا أهل الشام - إنّا شغلنا بموت هذا الرجل » .

وخبر موت شريك لم يكن سرّا ، وإنّما شيّع في الكوفة وصلّى عليه ابن زياد نفسه . .

التاسعة : اكتشف معقل مكان مسلم بن عقيل عليه السلام من خلال معرفته بشريك ومكانه قبل أن يدخل عليه ، فاكتشاف مكان مسلم عليه السلام كان من استنتاجات فكر معقل .

وكانت الأخبار جميعا تفيد أنّه إنّما عرف مكان مسلم عليه السلام حينما دخل عليه .

ص: 41

العاشرة : بمجرّد أن استنتج معقل من كلام ابن عوسجة مكان إقامة مسلم عليه السلام أقرّ له ابن عوسجة فورا دون أيّ تريث .

الحادية عشرة : إنّ معقل هو الذي أصدر الأمر بالذهاب الى مسلم عليه السلام وليس ابن عوسجة الذي قرّر أخذه .

الثانية عشرة : تشدّدت العلاقة الحميمة ، وتوطّدت بسرعة بين معقل وابن عوسجة حتى أخذ بيده .

الثالثة عشرة : لم يذكر طلب الإذن ، وكأنّ ابن عوسجة قد باغت مسلم عليه السلام بدخول

معقل عليه .

الرابعة عشرة : بادر مسلم بن عقيل عليهماالسلام

الى تقريب معقل « قرّبه وأدناه » فور الدخول عليه .

الخامسة عشرة : لم يستلم مسلم عليه السلام

المال ، وإنّما أمر بأخذه ولم يحدّد من الذي قبضه .

ص: 42

السادسة عشرة : أبدى الإعجاب لما حصل عليه من الخبر ، وهو إعجاب عجيب لم يظهر إلاّ عند ابن أعثم وحده .

السابعة عشرة : منذ اليوم الأول قرّب وأدني ، وصار من الخواص ، حتى أقام يومه ذاك بينهم .

الثامنة عشرة : توجّس ابن زياد ونهى معقلاً عن التردّد على مقرّ مسلم عليه السلام لئلاّ يكتشف أمره .

التاسعة عشرة : في العبارة ارتباك ، ويظهر أنّ فيها تصحيف « ابن هاني مكان هاني » و« عتبا مكان عنتا أو تعبا مثلاً » .

ص: 43

أبو الفرج الأصفهاني ( 356 ) في مقاتل الطالبيين :

اشارة

ودعا ابن زياد مولى له يقال له « معقل » ، فقال له : خذ هذه الثلاثة آلاف درهم ، ثم التمس لنا مسلم بن عقيل ، واطلب شيعته ، وأعطهم الثلاثة آلاف درهم ، وقل لهم : استعينوا بهذه على حرب عدوّكم ، واعلمهم بأنّك منهم .

ففعل ذلك ، وجاء حتى لقى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم ، وسمع الناس يقولون : هذا يبايع للحسين بن علي ، وكان يصلّي ، فلمّا قضى صلاته جلس إليه ، فقال له : يا عبد اللّه ، إنّي امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع ، أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل البيت ، وحبّ من أحبّهم ، وهذه ثلاثة آلاف درهم معي أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،

ص: 44

وكنت أحبّ لقاءه لأعرف مكانه ، فسمعت نفرا من المسلمين يقولون : هذا رجل له علم بأمر أهل هذا البيت ، وإنّي أتيتك لتقبض منّي هذا المال ، وتدلّني على صاحبي فأبايعه .

فقال له : أحمد اللّه على لقائك ، فقد سرّني حبّك إياهم ، وبنصرة اللّه إيّاك حقّ أهل بيت نبيه صلى الله عليه و آله ، ولقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة سطوة هذا الطاغية الجبار أن يأخذ البيعة قبل أن يبرح ؟! ( كذا ) ، وأخذ عليه المواثيق الغليظة ليناصحن وليكتمن ، فأعطاه من ذلك ما رضي به ، ثم قال له : اختلف إليّ أياما في منزلي ، فأنا أطلب لك الإذن على صاحبك ، وأخذ يختلف مع الناس يطلب ذلك إليه .

قال : فأقبل ذلك الرجل الذي وجّهه عبيد اللّه بالمال يختلف إليهم ، فهو أول داخل وآخر خارج ! يسمع أخبارهم ، ويعلم أسرارهم !!! وينطلق بها حتى يقرّها في أذن ابن زياد .

ص: 45

وساق الخبر الى أن قال :

يا هانئ أسلمت على ابن عقيل ؟ قال : ما فعلت .

فدعا معقلاً ، فقال : أتعرف هذا ؟

قال : نعم(1) . . .

ص: 46


1- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج : 64 .

نقاط مهمة في نص أبي الفرج :

الأولى : يصرّح له معقل أنّه يريد أن يعرف مكان مسلم عليه السلام ولم يلتفت ابن عوسجة حسب النصّ : « وكنت أحبّ لقاءه لأعرف مكانه » .

الثانية : صرّح أنّه يريد تسليم المال لابن عوسجة والبيعة لمسلم عليه السلام .

ص: 47

الشيخ المفيد رحمه الله ( ت 413 ) في الإرشاد :

اشارة

فدعا ابن زياد مولى له يقال له « معقل » ، فقال : خذ ثلاثة آلاف درهم ، ثم أطلب مسلم بن عقيل ، والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة ، فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم ، وقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم ،

فإنّك لو قد أعطيتها إياهم لقد اطمأنوا إليك !

ووثقوا بك !

ولم يكتموك شيئا من أخبارهم .

ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل ، وتدخل عليه .

ففعل ذلك ، وجاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم ، وهو يصلّي ، فسمع قوما يقولون : هذا يبايع للحسين ، فجاء فجلس إلى جنبه حتى فرغ

ص: 48

من صلاته ، ثم قال : يا عبد اللّه ! إنّي امرؤ من أهل الشام ، أنعم اللّه عليّ بحبّ أهل هذا البيت ، وحبّ من أحبّهم ؟

وتباكى له !!

وقال : معي ثلاثة آلاف درهم ، أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللّه ، فكنت أريد لقاءه ، فلم أجد أحدا يدلّني عليه، ولا أعرف مكانه، فإنّي لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت ، وإنّي أتيتك لتقبض منّي هذا المال ، وتدخلني على صاحبك ، فإنّما أنا أخ من إخوانك وثقة عليك ، وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه .

فقال له مسلم بن عوسجة رحمه الله : أحمد اللّه على لقائك إيّاي ، فقد سرّني ذلك ، لتنال الذي تحبّ، ولينصر اللّه بك أهل بيت نبيه عليه وآله السلام، ولقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ ، مخافة هذا الطاغية وسطوته .

ص: 49

فقال له معقل : لا يكون إلاّ خيرا ، خذ البيعة عليّ ، فأخذ بيعته ، وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك ما رضي به .

ثم قال له : اختلف إليّ أياما في منزلي ، فأنا طالب لك الإذن على صاحبك .

فأخذ يختلف مع الناس !!

فطلب له الإذن ، فأذن له ، فأخذ مسلم بن عقيل رضي اللّه عنه ! بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي فقبض المال منه ، وهو الذي كان يقبض أموالهم ، وما يعين به بعضهم بعضا ، ويشتري لهم السلاح ، وكان بصيرا ومن فرسان العرب ووجوه الشيعة .

وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، وهو أول داخل وآخر خارج ، حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم ، وكان يخبره به وقتا فوقتا(1) .

ص: 50


1- الإرشاد للمفيد : 2/45 وما بعدها .

نقاط مهمة في نص الشيخ المفيد :

الأولى : يفيد ظاهر النصّ أن لا مهمّة لمعقل سوى معرفة مكان مسلم عليه السلام « ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل . . » .

الثانية : تباكى معقل بعد إعلان ولائه وقبل تسليم المال لابن عوسجة . ( انفرد الشيخ رحمه اللهبنقل التباكي ) .

الثالثة : معقل يأمر بأخذ البيعة ومسلم عليه السلاميستجيب « فقال معقل : لا يكون إلاّ خيرا ، خذ البيعة عليّ ، فأخذ بيعته » .

الرابعة : لم يدخل معقل على مسلم عليه السلام إلاّ بعد الاستئذان وصدور الإذن .

ص: 51

الفتال النيسابوري ( ت 508 ) في روضة الواعظين

وسار حتى وافى القصر في الليل ، ومعه جماعة قد التقوا به ، فدعا ابن زياد مولى له يقال له « معقل » ، فقال له : خذ ثلاثة آلاف درهم ، ثم اطلب من مسلم بن عقيل ، والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت بواحد منهم ، أو جماعة فاعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم ، وقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم ،

فإنّك لو أعطيتهم إيّاها اطمأنوا إليك !

ووثقوا بك !

ولم يكتموا شيئا من أخبارهم !!

ثم اغد عليهم ورح ، حتى تعلم مستقرّ مسلم بن عقيل ، وتدخل عليه ، ففعل ذلك .

وجاء فطلب الإذن ، فأذن له ، فأخذ مسلم بن عقيل بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي

ص: 52

يقبض المال منه ، وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم ، وكان يخبره بهم(1) .

ص: 53


1- روضة الواعظين للفتال : 174 .

ص: 54

مقارنة بين النصوص

اشارة

في قراءة سريعة للنصوص نجد فيها ارتباكا ملحوظا يصل في بعضها الى حدّ التهافت ، وتسربا غير مدروس للأحداث تكشف عن الوضع المقصود في القصّة .

فلو لاحظنا نصّ البلاذري ، وهو أقدم النصوص حسب تاريخ وفاة المؤلفين نجده خاليا من كثير من التفاصيل والتصريحات التي دخلت في المصادر اللاحقة .

ولعلّ فيما سبق من الإشارة الى النقاط المهمّة في كلّ واحدة من النصوص ما يكشف عن التهافت والاهتزاز في حياكة قصّة الاختراق .

ولكي تكون الصورة واضحة سنقارن بين النصوص موضعا بعد موضع إن شاء اللّه تعالى.

ص: 55

ص: 56

أولاً : هوية معقل

لم يعرّف البلاذري معقلاً بأكثر من كونه مولى لابن زياد .

فيما حدّد غيره أنّه من أهل الشام ، وزاد بعضهم تحديد بلده ، فذكر أنّه من أهل حمص(1) ، ونصّ بعضهم أنّه مولى لذي الكلاع .

ثانيا : كمية المال

لم يذكر البلاذري كمية المال المدفوع لمعقل .

فيما حدّده الآخرون بثلاثة آلاف درهم ، وذكرها بعضهم ثلاثة آلاف مطلقة ، وبعضهم أربعة آلاف(2) .

ثالثا : مصرف المال

دفع البلاذري المال لمعقل ليستعين به ، ولم يحدّد له مورد استعماله ومصرفه ، وهل هو له أو يجب عليه أن يدفعه لمسلم عليه السلام وأصحابه .

ص: 57


1- انظر المناقب لابن شهرآشوب : 3/242، مثير الأحزان لابن نما : 21 .
2- انظر مثير الأحزان لابن نما : 21 .

فيما ذكرت المصادر الأخرى أنّ المال ليس لمعقل ، وإنّما هو مأمور بدفعه الى مسلم بن عقيل عليه السلام بالذات .

وذكر الدينوري أنّ المال لمسلم بن عقيل عليه السلام يستعين به ويضعه حيث شاء من شيعته ، فهو مال يمكن أن يصل لأفراد من الشيعة ، وهي خطوة لإثارة الطمع .

رابعا : مكان اللقاء

لم يحدّد البلاذري مكان اللقاء الذي جمع ابن عوسجة بمعقل .

وحدّد الآخرون مكان اللقاء ، ونصّ بعضهم أنّه في المسجد الأعظم كما فعل الدينوري ، وأفاد أنّه كان في المسجد غير ابن عوسجة إلاّ أنّه توجّه اليه دون غيره .

خامسا : جهل معقل بطريقة التأتي

اعتمدت المصادر حذق معقل ومعرفته بطريقة إنجاز المهمة الموكولة له ، فيما صرّح الدينوري أنّ معقلاً وقع في حيرة من أمره ،

ص: 58

وكأنّه اشتمله الغباء ، ف-« جعل لا يدري كيف يتأتى الأمر » .

سادسا : كيف عرف معقل ابن عوسجة

تمّ لقاء معقل وابن عوسجة مباشرة عند البلاذري ، وكأنّ معقلاً يعرفه بعينه من دون أن يكون قد سمع من الناس شيئا ، ولا سأل عنه أحدا .

فيما اعتمد معقل على تفرّسه وتعرّف الى ابن عوسجة من خلال صفات الشيعة ، وأنّهم يكثرون الصلاة ، كما صرّح به الدينوري .

وذكر الدينوري أنّ الأمر تمّ بينه وبين نفسه من خلال الحوار الذي دار في خلده .

وصرّح معقل لابن عوسجة أنّه توسّم فيه الخير ، ولم يذكر مراقبته له ، وأنّه كان يكثر الصلاة ، فهو عند الدينوري قد فاتح ابن عوسجة هكذا ظنّا ورجاء فصدق ظنّه ورجاءه .

وذكرت مصادر أخرى أنّه سمع من الناس وهم يتحدّثون عن مسلم بن عوسجة في المسجد.

ص: 59

وتشير بعض التصريحات أنّه سأل عنه .

ولم يذكر ابن أعثم كيف تعرّف معقل الى ابن عوسجة ، وإنّما دخل المسجد فرأى رجلاً من الشيعة فجلس اليه . . .

سابعا : من يحبّهم معقل

أعلن معقل في نصّ البلاذري أنّه ممّن يحبّ أهل البيت عليهم السلام فحسب ، فيما ذكرت بقيّة المصادر أنّه يحبّ أهل البيت عليهم السلام ومن يحبّهم .

ثامنا : علم معقل بالقادم

أعلن معقل أنّه يعرف القادم وإنّه رجل من أهل البيت عليهم السلام ، كما عند البلاذري وغيره ، فيما أفاد ابن أعثم أنّه لم يعلم بقدوم مسلم عليه السلام ، وإنّما يتوقّع قدومه « قد بلغني أنّه يقدم ! الى بلدكم » .

تاسعا : ركون ابن عوسجة لمعقل

ركن ابن عوسجة لمعقل بمجرّد أن فتح الحديث معه .

فيما أثار تعرّض معقل لابن عوسجة مباشرة شكّه وسأله .

ص: 60

وعند ابن أعثم : ظنّ ابن عوسجة أنّ معقلاً كما يزعم ويقول ، ولم يثق به ، ولكنّه عمل بالظنّ والاحتمال « فظنّ مسلم بن عوسجة أنّ القول على ما يقول . . » .

عاشرا : وعد الدخول على مسلم

في أنساب الأشراف : وعد ابن عوسجة بالدخول على مسلم عليه السلام مطلقا دون تحديد الوقت، ودون أيّ مقدمات أو شروط ، وعرّفه باسم المبعوث ونسبته مع الحسين عليه السلام فورا .

فيما حدّد الدينوري اليوم الثاني للقاء الموعود .

وترك ابن أعثم تحديد الموعد ولم يعده بشيء سوى أنّه « ينظر ما يكون » .

فيما أمره ابن عوسجة أن يختلف اليه أياما كما أفاد الطبري .

الحادي عشر : من الذي قبض المال

عند البلاذري أنّ الذي أخذ البيعة مسلم عليه السلام ، وهو الذي قبض المال .

ص: 61

فيما قرّر ابن أعثم أنّ مسلما عليه السلام لم يستلم المال ، وإنّما أمر بأخذه ، ولم يحدّد من الذي قبضه .

بينما حدّد الطبري أنّ الذي قبض المال أبو ثمامة الصائدي .

الثاني عشر: المواثيق المأخوذة من معقل

لم تشر حكاية البلاذري الى مواثيق مسلم التي أخذها على معقل .

وأخذ العهود والمواثيق في بعض المصادر على المناصحة والكتمان .

فيما تركت بعض المصادر اشتراط الكتمان ، وأكدت على اشتراط العون والمناصحة في العمل .

الثالث عشر : التزام الدخول والخروج على مسلم عليه السلام

لم تشر قصّة البلاذري الى التزام معقل الدخول والخروج على مسلم عليه السلام وأصحابه ، وكلّ ما استفاده معقل إنّما كان من تلك الدخلة الواحدة التي سلّم فيها المال وأعطى البيعة .

ص: 62

الرابع عشر : تحديد مكان اللقاء مع ابن عوسجة

حدّد الدينوري بيت ابن عوسجة مكانا لللقاء في اليوم التالي ليأخذه الى مسلم عليه السلام .

فيما أغفلت بعض المصادر ذلك .

الخامس عشر : علم مسلم بالاختراق

نصّت بعض المصادر على إخبار ابن عوسجة مسلما عليه السلام بما جرى بينه وبين معقل ، فهي تؤكّد - عاقبةً - على علم مسلم بن عقيل عليه السلامبالاختراق ، بل أفاد الطبري أنّ

ابن عوسجة أخبر مسلما عليه السلام بخبر معقل « كلّه » يعني أنّ مسلما عليه السلام كان على علم بتفاصيل الإختراق .

فيما أكّدت مصادر أخرى أنّ ابن عوسجة باغت مسلما عليه السلام بدخول معقل عليه .

السادس عشر : دخول معقل المتكرر

أفادت بعض المصادر المذكورة أنّ معقلاً صار يدخل على مسلم عليه السلام ويلازمه دون أن يحجب عنه منذ اللقاء الأول .

ص: 63

فيما أفادت مصادر أخرى أنّه استقى معلوماته كلّها من الدخلة الوحيدة الأولى على مسلم عليه السلام .

بل روى ابن أعثم الحكاية بما يفيد القاريء أنّ مهمة معقل تنحصر في استماع الأخبار في الدخلة الأولى وليس أكثر « وفي غداة غد تعدو عليّ بالأخبار » .

ولم تذكر بعض المصادر التردّد على مقرّ القيادة .

السابع عشر : عرض البيعة

تبرّع معقل بإعطاء البيعة دون المال ، وأعرب عن إصراره على تسليم المال بنفسه لمسلم بن عقيل عليه السلام .

وتبرّع في مصادر أخرى بإعطاء البيعة ودفع المال لابن عوسجة .

وأصرّ على تسليم المال والبيعة لمسلم بن عقيل عليه السلام لا غيره .

ص: 64

الثامن عشر : اكتشاف مكان مسلم

اكتشف معقل مكان مسلم عليه السلام بعد

الدخول عليه ، كذا في المصادر .

غير أنّ ابن أعثم أسند الاكتشاف الى ذكاء معقل وحذقه حيث أنّه اكتشف مكان مسلم عليه السلام من خلال معرفته بشريك ومكانه، فلمّا أخبره ابن عوسجة بانشغالهم بتجهيز شريك استنتج معقل أنّ مسلما هناك في منزل هانيء ، فعرف مكانه قبل أن يدخل عليه !!

والحال أنّ الانشغال بتجهيز شريك لا علاقة له من قريب ولا من بعيد بوجود مسلم عليه السلام

في بيت هاني ، والخبر لا يشير الى الدلالات التي استند اليها معقل في استنتاجه الفذ هذا !

التاسع عشر : من الذي قرر الدخول على مسلم عليه السلام

صرّحت بعض المصادر أنّ ابن عوسجة وعد معقلاً بالدخول على مسلم عليه السلام فيما أفاد

ص: 65

ابن أعثم أنّ معقلاً هو الذي أصدر الأمر بالذهاب الى مسلم عليه السلام .

العشرون : تعليمات ابن زياد

نصّت بعض المصادر على أنّ ابن زياد أمر معقلاً أن يغدو عليهم ويروح حتى يعرف أخبارهم .

وأكّد ابن أعثم أنّ ابن زياد توجّس ونهى معقلاً عن ا لتردّد على مقرّ مسلم عليه السلام ، لئلا يكتشف أمره .

الحادي والعشرون : من المطلوب في مهمة معقل

صرّحت بعض المصادر أنّ المطلوب هو مسلم بن عقيل عليهماالسلام فحسب ، وأفادت أخرى أنّ المطلوب مسلم عليه السلام وأصحابه .

الثاني والعشرون : ما هو المطلوب في مهمة معقل

صرّحت مصادر أنّ المطلوب هو معرفة مكان مسلم عليه السلام فقط « ثم اغد عليهم ورح

ص: 66

حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل » ، وأخرى أنّ المطلوب اكتشاف أسرار التحرّك وخفاياه وكلّ ما يتعلّق بذلك .

الثالث والعشرون : الغرض من تقديم المال

أفاد الطبري أنّ المقصود من تقديم المال زلزلة موقف أنصار الحقّ والتراخي أمام المال بحيث تفضح كلّ الأسرار بمجرد استلامه .

فيما كان عند الآخرين وسيلة للتعرّف ، وواسطة للدخول على مسلم عليه السلام فقط .

الرابع والعشرون : من الذي أخذ البيعة

إنّ الذي أخذ البيعة مسلم بن عقيل عليهماالسلام

بعد تردّد معقل على ابن عوسجة وإدخاله الى مقرّ القيادة .

فيما أفاد الطبري أنّ ابن عوسجة أخذ البيعة من معقل قبل أن يبرح من مكانه ، وفي نفس اللقاء الأول .

ص: 67

الخامس والعشرون : اختلاف معقل الى ابن عوسجة

أفاد بعضهم أنّه غدا عليه في بيته ، وأفاد آخرون أنّه كان يختلف اليه في المسجد ، وقال البعض : أنّه غدا عليه وحده ، وصرّح آخرون أنّه كان يختلف اليه في جملة الناس الذي يختلفون الى ابن عوسجة .

السادس والعشرون : الاستئذان

لم تذكر بعض المصادر الاستئذان لمعقل من مسلم عليه السلام ، فيما نصّ آخرون كالطبري على طلب الإذن قبل الدخول ، وأفاد الشيخ المفيد رحمه اللهحصول الإستئذان

وصدور الإذن .

السابع والعشرون : البيعة قرار معقل أو مسلم

أفاد الشيخ المفيد رحمه الله خلافا لغيره من المؤرخين أنّ معقلاً أمر ابن عوسجة بأخذ البيعة منه ، فاستجاب له ابن عوسجة .

ص: 68

الثامن والعشرون : تباكي معقل

انفرد الشيخ المفيد رحمه الله حسب ما راجعنا من المصادر في عرض صورة لمعقل أثارة الشكوك عند بعض المحقّقين المتأخرين حتى عدّها في جملة المؤاخذات على ابن عوسجة ، وهي صورة تباكي معقل عند لقائه بابن عوسجة وعرض المال والبيعة عليه .

التاسع والعشرون : زمن دعوة معقل للمهمّة

أشعر تعبير الفتال في الروضة من خلال تفريعه بالفاء أنّ ابن زياد بادر الى دعوة معقل وتكليفه بالمهمة فور وصوله الكوفة ، فقال : « وسار حتى وافى القصر في الليل ، ومعه جماعة قد التقوا به ، فدعا ابن زياد مولى له يقال له معقل . . » .

فيما أفادت المصادر أنّ الدعوة كانت بعد زيارة هانيء ، والاختراق كان قبل موت شريك ، والدخول كان بعده .

ص: 69

الثلاثون : الاختلاف في ولاء معقل

اختلفوا في ولاء معقل الجاسوس :

فقيل : إنّه مولى لابن زياد .

وقيل : إنّه من بني تميم .

قال الشيخ شمس الدين في هامش كتابه أنصار الحسين : هذا يعني أنّ معقلاً مولى لابن زياد في رواية عمار الدهني وأبي مخنف(1) .

وأمّا في رواية عيسى بن يزيد الكناني ، فإنّ هذا المولى لم يكن لابن زياد ، وإنّما كان من تميم(2) : قال : ما فعلت ؟ فأخرج التميمي

الذي كان عينا عليهم(3) .

ص: 70


1- تاريخ الطبري : 5/348 و362 .
2- تاريخ الطبري : 4/269 .
3- أنصار الحسين عليه السلام لشمس الدين : 191 .

معالجة جملة من المؤلفين للخبر

اشارة

نجد عند التأمل في كتب العلماء والمؤلفين نمطين من التعامل مع هذه القصّة يكشف لنا عن موقف أصحابها في معالجة الخبر :

ص: 71

ص: 72

النمط الأول :

اشارة

وهم جملة من كبار العلماء والمؤلفين القدماء الذين سلكوا طريق الأدب في التعامل مع النفوس القدسية ، والاحتياط للوقوف بين يدي ربّ البرية ، وأبت قلوبهم أن تنسب ما لا يليق لمعادن الطهر وسواقيها ، فنقلوا الخبر بعد تهذيب وتقويم دون الإشارة الى حدث الاختراق الفج ، ونؤكد أنّهم حاولوا أن ينقلوا الخبر بصورة لا تركّز على « طريقة الاختراق خاصة » لا مطلق الاختراق ، منهم :

ص: 73

ابن شهرآشوب في المناقب

يبدو أنّ ابن شهرآشوب وغيره من أعلام الشيعة رجّحوا أن ينقلوا قصة « معقل » باقتضاب يحفظ لمسلم بن عوسجة ومسلم بن عقيل عليه السلام وأبي ثمامة الصائدي وغيرهم من رجال الحسين عليه السلام قداستهم ، ويدفع عنهم المؤاخذات المزعومة ، ولو بشكل نسبي .

قال ابن شهرآشوب في المناقب :

ثم إنّ عبيد اللّه أعطى مولاه « معقلاً » ثلاثة آلاف درهم ، وقال له : اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة ، فاعلمه أنّك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر ، وهذا مال تدفعه لتتقوّى به .

فلم يزل يتلطّف ويسترشد حتى دُلّ على مسلم بن عوسجة الأسدي ، وكان الذي يأخذ البيعة ، فأدخله على مسلم ، وقبض منه المال وبايعه ، ورجع معقل إلى عبيد اللّه ، فأخبره(1) .

ص: 74


1- المناقب لابن شهرآشوب : 3/242 .

ابن نما لم ينقل الاختراق الفج

أمّا ابن نما الحلي فقد نقل في « مثير الأحزان » عبارة قريبة من عبارة ابن شهرآشوب إلاّ أنّها اتسمت باقضاب أشدّ طوى فيه قصّة الاختراق طيّا كاملاً ، ونسب ما سطره الى المصدر الذي نقل عنه ، وكأنّه يريد أن يفلت من مسؤولية النقل ويلقيها على عاتق من نقل عنه على طريقة « العهدة على الراوي » ، قال :

ثم إنّ عبيد اللّه بن زياد حيث خفى عليه حديث مسلم دعا مولى يقال له « معقل » فأعطاه أربعة آلاف درهم كما في كتاب إعلام الورى باعلام الهدى ، وأمره بحسن التوصّل إلى من يتولّى البيعة وقال : اعلمه أنّك من أهل « حمص » جئت لهذا الأمر .

فلم يزل يتلطّف حتى وصل إلى مسلم بن عوسجة الأسدي، فادخله إلى مسلم فبايعه(1).

ص: 75


1- مثير الأحزان لابن نما الحلي : 16 - 23 .

رواية السيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية

أمّا السيد بحر العلوم فقد عرض « قصّة معقل » بصورة تختلف عن المشهور في كتب التاريخ اختلافا تاما حيث أنّه يرى أنّ معقلاً كان متبرّعا طلبا للجائزة ، وليس مأمورا من قبل ابن زياد مباشرة ، ولم ينوّه الى قصّة الأموال ولا الاختراق ، ولا أيّ شيء من ذلك ، فقال :

ثم إنّ ابن زياد بعث في طلب مسلم ، وبذل على ذلك الجوائز الكثيرة والعطايا الخطيرة ، وكان ممّن رغب في ذلك مولى له يقال له « معقل » ، فخرج يدور في الكوفة ، ويتحيّل على الاستطلاع على خبر مسلم إلى أن وقع على خبره : أنّه عند هاني بن عروة ، أرشده إليه رجل يقال له : مسلم بن عوسجة(1) » . .

ص: 76


1- الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم : 4/38 .

اختيار السيد ابن طاووس

أمّا السيد ابن طاووس رحمه الله ، فقد ذكر قصّة الجاسوس بشكل ذكي ونابه لا يمس قداسة « أعضاء الثورة »! ولا يسمح لأحد أن يسجّل عليهم مؤاخذة ، حيث أنّه ترك نقل طريقة الاختراق ، ولم ينكر أصل وجود الجاسوس « معقل » .

فهو يروي أنّ ابن زياد وضع المراصد على مسلم بن عقيل عليهماالسلام ، ولا يذكر لمعقل خبرا ، ثم يفاجئ القارئ بوقوف معقل أمام هاني في قصر ابن زياد ، فيرى هاني أنّ هذا الوجه الكالح القبيح ليس غريبا عليه ، لأنّه قد رآه من قبل ، فيعرف أنّه جاسوس ابن زياد .

فالسيد - رحمه الله - يطرح ما ذكره المؤرخون من طريق توصّل معقل الى مسلم عليه السلام ..

قال السيد رحمه الله في اللهوف :

ص: 77

فلمّا سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه من الاشتهار ، فخرج من دار المختار ، وقصد دار هاني بن عروة ، فآواه ، وكثر اختلاف الشيعة إليه .

وكان عبيد اللّه قد وضع المراصد عليه .

فلمّا علم إنّه في دار هاني دعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج ، وقال : ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا .. .

فقال : إيهٍ يا هاني ، ما هذه الأمور التي تربّص في دورك لأميرالمؤمنين وعامة المسلمين ، جئت بمسلم بن عقيل ، وأدخلته في دارك ، وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك ، وظننت إنّ ذلك يخفى عليّ!

فقال : ما فعلت ؟

فقال ابن زياد : بلى قد فعلت .

فقال : ما فعلت أصلح اللّه الأمير .

فقال ابن زياد : عليّ بمعقل مولاي .

ص: 78

وكان معقل عينه على أخبارهم ، وقد عرف كثيرا من أسرارهم ، فجاء معقل حتى وقف بين يديه .

فلمّا رآه هاني عرف إنّه كان عينا عليه(1) . .

ص: 79


1- اللهوف لابن طاووس : 29 - 31 .

مفاد أقوال العلماء

عوّدنا السلف الصالح وكبار العلماء أن يختزلوا لنا مقدّمات بحثهم ، ويلقمونا النتائج جاهزة ، فالشيخ الكليني رحمه الله والشيخ الصدوق رحمه الله وغيرهم قضوا أعمارهم في البحث والتنقير والتنقيب واستعراض الروايات والأخبار ، وعالجوا تعارضها ، وفاضلوا بين القوي والأقوى منها ، ثم سطروا ما وصلوا اليه في كتبهم ، فقال المتأخرون عنهم : إنّ هذا مختارهم ومعتقدهم ، كما صرّحوا هم أنفسهم بذلك .

وعلى هذا المنوال سلك السيد ابن طاووس رحمه الله وغيره في كتبهم في قصّة معقل ، فهم وإن لم يناقشوا القصّة باسهاب ، ويكشفوا ما فيها من الخلل ، ويعالجوا ما فيها من روائح الوضع والخطل ، بيد أنّهم اقتطعوا ما لم يعتقدوه ، وأعرضوا عن تسجيل ما لم يرتضوه ، وطووا كشحا عن

ص: 80

قصّة الاختراق الفج بالطريقة التي نسجتها أيدي المؤرخين ، فاسقطوها عن اعتبارهم .

وفي اختيار هؤلاء الأفذاذ قناعة ما دامت توافق الحقّ ولا تخالف المعصوم .

ص: 81

النمط الثاني

اشارة

وهم جملة من العلماء والكتّاب المتأخرين ،

وقد تعامل بعضهم مع القصّة بروح المحاكمة ، ونفس القاضي الذي يصدر حكما على رجال اشتركوا في قضية أتت على مستقبل البشرية ، وجعل نفسه في موقع يكشف أنّه أعلم من مسلم بن عقيل عليه السلام ومسلم بن عوسجة وغيرهم من رجال الحسين عليه السلام حيث أماط الحجاب عن العوار الذي اكتنف موقفهم ، والتفت الى ما لم يلتفتوا اليه ، ولم يخدع بما خدعوا ، ولم يغترّ بما اغترّوا به !!

وبعضهم استعمل عبارات قد لا يبالغ من قال : أنّ فيها عدم تحفّظ ، بل قسوة أحيانا مع القدّيسين .

وبعضهم تعامل مع رجال الحسين عليه السلام بأدب الخجول المضطر للتأدّب ، لأنّه لا يجد بدّا منه ، لمعرفته بمقام من يقف بين يديه ، فسلك سبيل التعبّد والتسليم ، توقّفا واحتياطا .

ص: 82

ابن عوسجة يغتر بمعقل

قال السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة :

ولمّا خفي على ابن زياد أمر مسلم عمد إلى التجسس ، فدعا غلاما له اسمه « معقل » ، ودفع إليه أربعة آلاف درهم ، وأمره بحسن التوصّل إلى أصحاب مسلم ، وأن يدفع إليهم المال ليستعينوا به ، ويظهر لهم أنّه منهم من أهل حمص .

فجاء إلى مسلم بن عوسجة

فاغتر بكلامه

وأدخله على مسلم بن عقيل ، فأخبر ابن زياد بكلّ ما أراد(1) . . . .

معقل يوهم مسلم بن عوسجة

قال الشيخ شمس الدين رحمه الله في كتابه أنصار الحسين عليه السلام :

استطاع ابن زياد أن يكتشف مقرّ مسلم بن عقيل بمعونة جاسوس تسلّل إلى صفوف الثوار.

ص: 83


1- أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين : 1/591 .

بعد أن أوهم مسلم بن عوسجة

أنّه من شيعة أهل البيت(1) .

وقال في موضع آخر من نفس الكتاب في خضم الحديث عن علاقة الموالي بقيام الإمام الحسين عليه السلام :

وهل تدلّ استجابة مسلم بن عوسجة للجاسوس « دون حذر!! » على صدق تقدير النظام الأموي لحقيقة العلاقة بين الموالي وبين الثورة(2) ؟!

ص: 84


1- أنصار الحسين عليه السلام لشمس الدين : 124 .
2- أنصار الحسين عليه السلام لشمس الدين : 192 .

مؤاخذات الشيخ القرشي على أعضاء الثورة :

سجّل سماحة الشيخ القرشي - حفظه اللّه - في كتابه الشهيد الخالد مسلم بن عقيل(1) ، وفي كتابه حياة الإمام الحسين(2) عليه السلام بعض المؤاخذات على أعضاء الثورة ، فقال تحت عنوان : « التجسس على مسلم عليه السلام » :

وأول بادرة سلكها ابن زياد هي التجسس على مسلم ، ومعرفة جميع نشاطاته السياسية والوقوف على نقاط القوة والضعف عنده .

وقد اختار للقيام بهذه المهمة مولاه معقلاً ، وكان من صنائعه ، وتربى في كنفه ، ودرس طباعه ، ووثق باخلاصه ، وكان فطنا ذكيا !! ، فأعطاه ثلاثة آلاف درهم ، وأمره أن يتصل بالشيعة ، ويعرفهم أنّه من أهل الشام ، وأنّه مولى الذي الكلاع الحميري ، وكانت الصبغة

ص: 85


1- الشهيد الخالد مسلم بن عقيل : 141 .
2- حياة الإمام الحسين عليه السلام للقرشي : 2/369 .

السائدة على الموالي هي الاخلاص لأهل البيت عليهم السلامولذا أمره بالانتساب إلى الموالي ، حتى ينفي الشكّ والريب عنه ، وقال له : أنّه إذا التقى بهم فليعرّفهم بأنّه ممّن أنعم اللّه عليه بحبّ أهل البيت عليهم السلام وقد بلغه قدوم رجل إلى الكوفة يدعو للإمام الحسين ، وعنده مال يريد أن يلقاه ليوصله إليه حتى يستعين به على حرب عدوه ، ومضى معقل في مهمته فدخل الجامع ، وجعل يفحص ويسأل عمّن له معرفة بمسلم ، فارشد إلى مسلم بن عوسجة ، فانبرى إليه ، وهو يظهر الاخلاص والولاء للعترة الطاهرة قائلاً له : إنّي أتيتك لتقبض مني هذا المال ، وتدلّني على صاحبك لأبايعه ، وإن شئت أخذت بيعتي قبل لقائي إياه . .

فقال مسلم : لقد سرّني لقاؤك إيّاي لتنال الذي تحبّ ، وينصر اللّه بك أهل نبيه ، وقد ساءني معرفة الناس إياي من قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية وسطوته ، ثم أخذ منه

ص: 86

البيعة وأخذ منه المواثيق المغلّظة على النصيحة وكتمان الأمر .

وفي اليوم الثاني أدخله على مسلم ، فبايعه وأخذ منه المال ، وأعطاه إلى أبي ثمامة الصائدي ، وكان قد عيّنه لقبض المال ليشتري به السلاح والكراع .

وكان معقل فيما يقول المؤرخون : أول من يدخل على مسلم ، وآخرمن يخرج منه ، وجميع البوادر والأحداث التي تصدر ينقلها بتحفظ في المساء إلى ابن زياد حتى وقف على جميع أسرار الثورة .

ثم قال - حفظه اللّه - تحت عنوان « مع أعضاء الثورة » :

والذي يواجه أعضاء الثورة من المؤاخذات !!! ما يلي :

أولاً : إنّ معقلاً من أهل الشام الذين عرفوا

بالبغض والكراهية لأهل البيت عليهم السلام والولاء لبني أمية ، والتفاني في حبّهم ، فما معنى الركون اليه ؟

ص: 87

ثانيا : إنّ اللازم التريّث !!! حينما أعطى المال لمسلم بن عوسجة وهو يبكي ، فما معنى بكائه أو تباكيه ؟ أليس ذلك ممّا يوجب الريب في شأنه ؟!!!

ثالثا : إنّه حينما اتصل به ! كان أول داخل وآخر خارج ، فما معنى هذا الاستمرار والمكث الطويل في مقرّ القيادة العامة ؟ أليس ذلك ممّا يوجب الشكّ في أمره ؟!!!

لقد كان الأولى بالقوم !! التحّرز منه !!!!! ولكنّ القوم ! قد خدعتهم المظاهر المزيّفة !!!!!

ومن الحقّ أنّ هذا الجاسوس كان ماهرا في صناعته ، خبيرا فيما انتدب اليه . . . .!!!

وعلى أيّ حال ، فإنّ ابن زياد قد استفاد من عملية التجسس أمورا بالغة الخطورة ، فقد عرف العناصر الفعالة في الثورة! وعرف مواطن الضعف فيها ! وغير ذلك من الأمور التي ساعدته على التغلّب على الأحداث!!! . . .

ثم قال - حفظه اللّه - ومدّ في عمره المبارك

ص: 88

في كتابه حياة الإمام الحسين عليه السلام تحت عنوان : « الاحجام عن كبس دار هانئ » :

وعلم الطاغية أنّ هانئا هو العضو البارز في الثورة ، فقد اطلعه الجاسوس الخطير معقل على الدور الفعال الذي يقوم به هانئ في دعم الثورة ، ومساندتها بجميع قدراته ، وعرفه أنّ داره أصبحت المركز العام للشيعة ، والمقرّ الرئيسي لسفير الحسين مسلم(1)(2) .

* * *

لا نرى من الأدب أن نتناول عبارات هؤلاء العلماء والمحقّقين من سبق ذكره ومن يأتي بالمناقشة المفصّلة والمباراة لكلّ فقرة فقرة من كلماتهم للتنويه على ما فيها ، لكرامة السبق ، وأقدمية الهجرة ، وأفضلية العلم ، والتقدّم في السنّ ، والتنوّر بنور العلم والكتابة .

ص: 89


1- حياة الإمام الحسين للقرشي : 2/371 .
2- لم يقرأ نصوص تقارير معقل لابن زياد أحد سوى ما نصّ عليه الشيخ - حفظه اللّه - هنا .

ونرجو من اللّه السداد والتوفيق والقبول من الجميع ، والتوفيق لمعرفة أهل البيت عليهم السلام

وأنصارهم ، والذابّين عنهم ، والتأدّب اللائق في مثل هذه المحاضر المقدّسة ، ورحم اللّه امرؤا عرف قدر نفسه .

ولكنّنا نقول بخضوع واحترام :

إنّ هذه المؤاخذات !! ومؤاخذات أخرى كثيرة يمكن أن تسجّل على القصّة ، وهي بنفسها في الحقيقة إشكالات تسقط الخبر ، وتدعونا الى طرحه بشجاعة وجرأة ، بعد أن عرفنا أنّ ثقة الحسين عليه السلام والخبير بالمجتمع الكوفي ، والمحارب القديم مسلم بن عقيل عليهماالسلام .

وكذا مسلم بن عوسجة الشيخ الكبير ، وإرشيف التجارب المرّة مع أعداء أهل البيت عليهم السلام الذي لو لم يكن محاربا مقاتلاً مجربا في ساحات العمل والقتال ومعرفة الأعداء ، ولو لم يكن التسديد الإلهي حليفه ، لاكتفى بتجارب السنين الطويلة التي عاشها

ص: 90

مع ابن زياد وأبيه وأسيادهم ، وكيف وهو صاحب البصيرة النافذة ، والعلم الجمّ ، والمواقف المشهودة ، والمعرفة الثاقبة ، والشجاعة والتسليم والدقّة في التشخيص(1) .

ونحن نكتفي بما سجّله سماحة الشيخ من إشكالات فلا نعيدها أثناء ذكرنا للملاحظات العامة فيما يأتي إن شاء اللّه .

ولو لم يكن في الخبر من ثغرات سوى التي ذكرها الشيخ - حفظه اللّه - لكانت كافية في التريّث والتردّد في قبول الخبر .

ص: 91


1- راجع كتاب « مسلم بن عوسجة أول شهداء اللّه في معسكر الحسين عليه السلام » للمؤلف .

معالجة الشيخ حسين الكوراني

نقل سماحة الشيخ حسين الكوراني - حفظه اللّه - قصّة معقل ، وحلّل وعلّق عليها ، ولا نودّ هنا نقل حديثه ومناقشته مفصلاً ، وكنّا نتمنّى أن لا ننقل منه شيئا أبدا ، حياء من مسلم بن عوسجة ، ومن مسلم بن عقيل وسيد الشهداء الحسين - صلوات اللّه عليهم - ، وقد تردّدت كثيرا قبل تسويد هذه السطور بما قاله سماحته .

ولكنّه قول قد يتلجلج في بعض الصدور ، وقد تلوكه بعض الألسن ، وتسترسل به بعض الأذهان ، وتسيل به الأقلام باعتبار أنّها نتائج طبيعية ، ولوازم حتمية للموقف ، وهو كذلك على فرض التسليم بالقصّة .

بيد أنّ المتتبع إذا نظر بعين الريبة للتاريخ والمؤرخ الذي يريد عرض الأقوياء الأوفياء في زي الضعفاء الخونة ، لتشويش الأذهان ، وإرباك العقائد، وتهييج الوساوس في الصدور،

ص: 92

والدفاع عن « دافع الأجور » يعرف جيدا أنّ التمرّد على المؤرخ الموتور المأجور وردّه وحكاياته السلطانية خير من تطويق أعناق الأبرار بالدماء المقدّسة ، ومشاطرة المؤرخ في تحمل المسؤولية أمام اللّه وسبط الرسول .

وإنّما تعرّضنا لهذه القصّة للردّ على مثل هذه التصورات ، مع التأكيد على الإحترام والتقدير لسماحته ، غير أنّ الجواد قد يكبو ، وسيد الشهداء رحمة اللّه الواسعة .

* * *

قال سماحته في معرض استخلاصه الدروس والعبر من موقف ابن عوسجة ، وتسلّل معقل بعد أن روى جملة من الأحاديث التي تعني الموضوع(1) :

سرّ الإسلام شيء عظيم حتى في الأمور الصغيرة ، فمثلاً أنا أعرف أنّ فلانا عنده المسؤولية الفلانية ، فلا داعي أن أقول ذلك ،

ص: 93


1- ذكرنا الإحاديث التي ذكرها الشيخ في الخاتمة.

لأنّه ممكن أن يكون هذا بطريقة وأخرى رأس خيط لأمر ما ، فلابد أن تكون دقّة في هذا المجال .

لا أتصوّر أنّ مواليا للحسين - صلوات اللّه عليه - إلاّ ويحترق ! لأنّ الناحية الأمنية شكّلت ضربة قاصمة لتحرّك الإمام الحسين صلوات اللّه عليه !!

وهذا يشكّل دافعا ليكون الفرد حذرا في المجال الأمني بشكل دقيق ، ولا يكون هو من حيث لا يشعر كوفيا !! يشارك . . .ضدّ الإسلام ، وهو يتصوّر أنّه لا يعمل شيئا !!!

طبيعي أنّ الفرد يتألّم لما جرى على مسلم بن عقيل ! وأن يستفيد من درس هذا الجاسوس معقل .

وبطبيعة الحال ، فإنّ مسلم بن عوسجة - رضوان اللّه عليه - تألّم كثيرا عندما عرف أنّه كان هو السبب في انكشاف أمر هاني بن عروة !!!!!

ص: 94

وبالتالي الوصول الى مسلم بن عقيل !!!!

وقتل هاني بن عروة وقتل مسلم بن عقيل !!!!!!!

وهي شغلة مؤلمة ومفجعة ، وإن كان هو - إن شاء اللّه - لا شيء عليه !!!! وغير مسؤول شرعا !!!!

وحتى إذا كان عليه شيء فموقفه الكربلائي غسل كلّ شيء !!!!! دون شكّ .

لكن بالتالي إنّها شغلة يتوقّف عندها ، المفروض أن يكون الفرد بخدمة الإسلام ، ولا يسمح لنفسه أن يكون في خدمة أعداء الإسلام عن طريق البساطة والسذاجة والتساهل(1) !!!!!!!!!! . . .

* * *

ص: 95


1- حديث إذاعي حصلنا على نسخة منه بصوته - حفظه اللّه - من موقع « الشيعة فويس - صوت الشيعة » على الانترنت .

كلام الشيخ - حفظه اللّه وسدده ورعاه - لا يصمد أمام النقد ، ولا داعي لإفراده بالمناقشة ، وستقرأ في ثنايا الصفحات التالية ما يكفي إن شاء اللّه .

غير أنّ الغريب في كلام الشيخ تعبيره عن مكنون خاطر ابن عوسجة ، والحديث عن خلده ، وما عاناه من الألم لما فعل !

ولا ندري من الذي أخبر سماحة الشيخ عن تألّم ابن عوسجة فقال : « إنّ مسلم بن عوسجة - رضوان اللّه عليه - تألّم كثيرا عندما عرف أنّه كان هو السبب في انكشاف أمر هاني ... » .

ربما أجاب أنّه من باب « لسان الحال » فإنّ لسان الحال يصدق في الموارد القطعية ، أضف الى أ نّنا نناقش في أصل القضية ، فلابد أن يثبت العرش ثم يبادر الى النقش عليه .

والأخطر والأعجب المخيف الذي ترتعد

ص: 96

له

المفاصل ، ويقفّ له الشعر ، وتخلع له القلوب عن مستقرّها ، ما أفاده في مؤدّى كلامه - حفظه اللّه - من تحميل ابن عوسجة مسؤولية دم هاني ومسلم بن عقيل عليهماالسلام

حيث يقول :

« فإنّ مسلم بن عوسجة - رضوان اللّه عليه - تألّم كثيرا عندما عرف أنّه كان هو السبب في انكشاف أمر هاني بن عروة .

وبالتالي الوصول الى مسلم بن عقيل وقتل هاني بن عروة وقتل مسلم بن عقيل ، وهي شغلة مؤلمة ومفجعة » .

ثم بدأ يلتمس له العذر ، ويحاول متفاءلاً بعفو اللّه وسعة رحمته أن يتجاوز عمّا فعله ابن عوسجة ، فيقول :

« وإن كان هو - إن شاء اللّه - لا شيء عليه وغير مسؤول شرعا !! وحتى إذا كان عليه شيء ، فموقفه الكربلائي غسل كلّ شيء !!! دون شكّ » .

ص: 97

عفوك اللّهم ورضاك وحسن لقاك ، اللّهم أرنا الحقّ حقّا فنتبعه ، والباطل باطلاً فنجتنبه ، ولا تجعله متشابها علينا .

اللّهم عرّفنا أولياءك وارزقنا رضاهم ورضاك ، ووفقنا لمعرفة قدر أنفسنا والوقوف عنده .

ص: 98

معالجة الشيخ الطبسي

قال الشيخ محمد جواد الطبسي - حفظه اللّه - فيكتابه وقائع الطريق من مكة الى الكوفة الجزءالثالث من موسوعة مع الركب الحسيني(1) :

« لكن في حضوره يوميا عند مسلم بن عقيل عليه السلام ، ودخوله عليه في أوّل الناس ،

وخروجه عنه آخرهم، فيكون نهاره كلّه عنده، ما يدعو الى الريبة والشكّ فيه ، فلماذا لم يرتب ولم يشكّ فيه مسلم عليه السلام وأصحابه ؟! إنّ في هذا ما يدعو الى الاستغراب والحيرة فعلاً ! » .

* * *

ولا داعي للاستغراب والحيرة والبحث عن المسوّغات والتأويلات ما دمنا نعرف مسلم بن عقيل عليهماالسلام ومسلم بن عوسجة ، فلا نخضع للخبر ، وهو لم يرو عن أهل البيت عليهم السلام ، لأنّنا نعلم كما يقول الشيخ في كتابه :

ص: 99


1- مع الركب الحسيني : 3/96 .

« أنّ مسلم بن عقيل ومسلم بن عوسجة وأصحابهما هم من أهل الخبرة الإجتماعية والسياسية والعسكرية ، فلا يسعنا أن نتعرّض باللوم عليهم أو أن نتهمهم بالسذاجة !!

بل علينا أن نتأدّب بين يدي تلك الشخصيات الإسلامية الفذّة ، وأن ننزّه ساحاتهم المقدّسة عن كلّ ما لا يليق بها ، وأن نقف عند حدود معرفتنا التأريخية القاصرة، لانتعدّاها الى استنتاجات واتهامات غير صائبة ولا لائقة !! . . » .

وكيف يمكن قبول الحدث وردّ لوازمه التي لا تنفك عنه ؟!

فلماذا لا نناقش الخبر وفقا لما ذكره المؤلف نفسه في مستهل حديثه عن هذه القصّة ، فقال عن مسلم بن عوسجة :

« هو علم من أعلام الشيعة في الكوفة ، وأحد شهداء الطفّ ، وهو الشريف السري في قومه ، والفارس الشجاع ، له ذكر في المغازي

ص: 100

والفتوح الإسلامية ، وقد شهد له الأعداء بشجاعته وخبرته وبصيرته وإقدامه(1) » .

ومن كانت هذه خصاله لا تعدوه النباهة والحيطة والحذر ، واستعمال التقية في أبرز مواطنها ، وأوضح مصاديقها .

فإذا كان ابن عوسجة ذا بصيرة وخبرة ، وذا مكانة اجتماعية وانتشار في الوسط الكوفي ، وهو كذلك حقّا، فلايتصوّر في حقّه الاستسلام السهل البسيط ، وتمرير مكيدة لا تنطوي على العادي من الرجال ، فلنقل بجرأة للمؤرخ دعنا عن حديثك هذا ، وآتنا بما هو لائق بطود عظيم متماسك صلد مثل مسلم بن عوسجة .

ص: 101


1- مع الركب الحسيني : 3/94 .

ص: 102

ملاحظات عامة

اشارة

ص: 103

ص: 104

الملاحظة الأولى: المسلمان لا يخدعان

إنّ قصّة الإختراق الفجّ هذه لا ينبغي الركون اليها - فيما نحسب - بعد التأمل فيها ، ولا يمكن القول بها على ما يبدو بحال ، بعد معرفتنا برجال الحسين عليه السلام من أمثال مسلم بن عوسجة ومسلم بن عقيل عليه السلام .

قال الشيخ باقر القرشي - حفظه اللّه - في كتابه « حياة الشهيد الخالد مسلم بن عقيل :

« اختار الإمام عليه السلام في سفارته ثقته ، وكبير أهل بيته ، والمبرّز بالفضل فيهم مسلم بن عقيل ، وهو من أفذاذ الرجال ، ومن أمهر الساسة ، وأكثرهم قابلية على مواجهة الظروف ، والصمود أمام الأحداث(1) » .

ص: 105


1- حياة الشهيد الخالد مسلم بن عقيل : 113 .

وأمّا مسلم بن عوسجة الشيخ الكبير الطاعن في السنّ ، وصاحب السوابق في الحرب والقتال ومقارعة الأبطال ، كما شهد له الأعداء يوم عاشوراء(1) .

فهذان الرجلان العظيمان أذكى وأنبل وأدقّ وأكثر حذرا من أن يخدعهما ابن زياد أو معقل ، وقد قضى كلّ منهما عمرا مديدا في ممارسة التقية والحيطة ، وصدّ اختراق التجسس في عهد معاوية ومن سبقه .

ص: 106


1- انظر للمزيد كتاب مسلم بن عوسجة أول شهداء اللّه في معسكر الحسين عليه السلام للمؤلف .

الملاحظة الثانية: الشاهد والغائب انتبه الا مسلم واصحابه!!

يلاحظ أنّ ابن زياد ينهى مولاه عن الإختلاف كلّ يوم الى مسلم عليه السلام لئلا يشكّ به مسلم عليه السلام وأصحابه . .

« قال ابن الأعثم : ثم قال عبيد اللّه لمولاه : انظر أن تختلف إلى مسلم بن عقيل في كلّ يوم لئلا يستريبك . . » .

فما أعجب وأغرب أمر هذه القصّة حيث أنّ ابن زياد - العتلّ الزنيم ابن الأمة الفاجرة - ينتبه ، والكتّاب والمؤلفون والنقاد اليوم كلّهم يرتابون ، ثم لا يرتاب مسلم عليه السلام عترة الأنبياء ، ولا أصحابه النجباء !!

ولا ندري كيف نتوجّس نحن ونرتاب في موقف «معقل»، ويخشى ابن زياد من انكشاف أمره، ولايلتفت اليها مسلم بن عوسجة، ومسلم بن عقيل عليه السلام ، وهما في خضم المعركة ؟!

ص: 107

الملاحظة الثالثة: ما هي الحاجة الى معقل ؟

أفادت النصوص أنّ غرض ابن زياد من توظيف معقل هو معرفة مكان مسلم بن عقيل عليه السلام ، وهو أمر ليس ذا بال بالنسبة الى

مسلم عليه السلام وأصحابه .

ثم ما هي الحاجة لمعقل الجاسوس الواحد ، إذا كان الغرض معرفة مكان مسلم عليه السلام

فقط ، مع كلّ ما تمحّلته القصّة من زيف ، والكوفة كلّها تعرف جيدا مكان مسلم بن عقيل عليهماالسلامفقد بايعه في الكوفة أكثر من ثلاثين ألفا على رواية العقد الفريد وجواهر المطالب وغيرهما ، وأقلّ ما ذكر في ذلك إثنا عشر ألفا ، وكان مسلم بن عقيل عليه السلام قد جمع حوله في الدور أربعة آلاف سيف ، وكلّ هؤلاء كانوا يعرفون بشكل من الأشكال مكانه عليه السلام .

ص: 108

قال الشيخ القرشي - حفظه اللّه - : « ومضى مسلم الى دار هاني الزعيم العربي !! الكبير ، فاستقبله بحفاوة بالغة ، ورحّب به ترحيبا حارا ، وصارت داره مركزا لنشاط مسلم السياسي ، ومحلاً لاجتماع الشيعة عنده » .

ثم قال - حفظه اللّه - :

« وعلى أيّ حال ، فقد استقرّ في دار هاني واتخذها مقرّا للثورة ، وقد احتف به هاني ، ودعا القبائل لمبايعته ، فبايعه في منزله !! ثمانية عشر ألفا(1) . . » .

فما الضرورة لاختلاق جاسوس يدعى « معقلاً » ، ليخترق الثورة ! بهذه الصورة الفجّة !!

سيما إذا عرفنا أنّ مسلما عليه السلام إنّما اختار بيت هانيء ، ولجأ اليه ، لأنّه كان كما يقول الشيخ القرشي - حفظه اللّه - في الكتاب المذكور :132 :

ص: 109


1- الأخبارالطوال للدينوري : 214 .

« سيد المصر ، وزعيم مراد ، وعنده من القوّة ما يضمن حماية الثورة ، والتغلّب على الأحداث ، فكان فيما يقول المؤرخون إذا ركب يركب معه أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل ، وإذا أجابته أحلافه من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع(1) . . » .

فهو إذن في حصن منيع ، استقرّ به المقام ، وأعلن عن مقرّ القيادة حتي « صارت داره مركزا لنشاط مسلم السياسي ، ومحلاً لاجتماع الشيعة عنده » .

وقد دعيت ا لقبائل على رؤوس الأشهاد ليبايعوا مسلما عليه السلام في بيت هاني حتى « بايعه في منزله !! ثمانية عشر ألفا » .

* * *

« ثم إنّ ابن زياد كان واليا على البصرة ، وكان قد مارس العمل الإداري والأمني والسياسي قبل وروده الكوفة .

ص: 110


1- الفتوح لابن أعثم : 5/67 .

وهو يعلم أنّ مسلم بن عقيل عليه السلام وصل الكوفة ، ونزل على بعض أهلها ، ومن البديهي أنّه إنّما ينزل على رأس من رؤوس الشيعة ، ويحطّ رحله عند جمجمة من جماجمهم ، وعلم من أعلامهم ، وكان الشيعة في الكوفة على كثرتهم بالنسبة الى بقية الأصقاع قليل بالنسبة الى عدد السكان في الكوفة ، وشخصياتهم وأعلامهم معروفون في الغالب ، ودورهم مرصودة ، وأعدادهم محدودة .

وعلى هذا لا يحتاج اكتشاف موقع مسلم بن عقيل عليه السلام سوى تخمين جملة من البيوت التي يتوقّع نزول مسلم عليه السلام عليها .

فما الضرورة الى تمحّل هذا الجاسوس الغبي المفضوح للتوصّل الى احتمال يتردّد بين نفر قليل جدّا ؟! » .

ص: 111

الملاحظة الرابعة: هل يخفى خواص ابن زياد على رجال الحسين؟

كان الموالي ضمن التشكيلة الاجتماعية لكلّ شخصية ، خصوصا إذا كان صاحب سلطة وولاية حكومية ، فكيف يكون « معقل » من خواص ابن زياد ، والمقرّبين عنده ، والمعتمدين لديه الى هذا الحدّ الذي يعتمد عليه في مشروع بهذه الضخامة والخطورة .

وهو في نفس الوقت من الموالي الأذكياء النابهين الذين يفوقون في الذكاء والنباهة رجال التاريخ والشرف والأصالة !! كما يزعمون .

ومع ذلك يبقى مجهولاً وغير معروف خصوصا عند مثل مسلم بن عوسجة ومسلم بن عقيل عليه السلام !

ص: 112

الملاحظة الخامسة: لم يذكر معقل في غير هذه القصة

إنّ رجلاً استطاع أن يغيّر مجرى التاريخ - حسب القصّة - من خلال إختراقه لغرفة القيادة في عرينها، وأثر على مجريات الأحداث حتى قلبها رأسا على عقب ، لم يذكره التاريخ بغير اسمه . « معقل » وانتهى كلّ شيء !

فمن هو « معقل » ؟

ابن من ؟

من أيّ بلد ؟

متى صار مولى للعتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة ابن مرجانة ؟

أين حلّ به الدهر بعد انجاز هذه المهمّة الفريدة والصعبة والمؤثرة ؟

هل كافأه مولاه على حسن صنيعه وانقاذه من أن يعود عبدا ؟ كما هدّد يزيد عبيد اللّه ابن مرجانة بذلك .

ص: 113

لماذا لم يذكر له التاريخ موقفا آخر قبل أو بعد تلك الحادثة الأليمة ؟ سواء في الكوفة أو في قتال كربلاء أو في قصر الإمارة أو في البصرة ، قبل وبعد حرب الطف ؟

شخصية غامضة ميتة انبثقت فجأة في بطون الكتب ، وحملت بها أرحام الأسفار ، وأولدها البلاذري ، وترعرعت في أحضان الدينوري والطبري ، ثم تمدّدت على صفحات التاريخ في غضون أيام قلائل ، ثم رحلت .

لقد باغتنا « معقل » بجلوسه الى جنب ابن عوسجة ، وطلع علينا آخر طلعة في قصر ابن زياد أمام هاني ، ثم اختفى !

ألا يحدّثنا البلاذري والدينوري والطبري وغيرهم عن هذا العبقري الفذّ إن كان له أصل ؟!!!

ص: 114

الملاحظة السادسة: الإغراء بالمال

قال ابن زياد مخاطبا معقل بعد أن دفع له المال ، ورسم له المهمّة المطلوبة منه :

« فإنّك لو قد أعطيتها - يعني الدراهم - إياهم اطمأنوا إليك ! ووثقوا بك ! ولم يكتموك شيئا من أخبارهم !!! ثم اغد عليهم ورح » .

يطالعنا تركيز ملحوظ في عبارة ابن زياد تكشف عن محاولة تسريب شبهة بائسة تتناول أنصار الحسين عليه السلام وأصحاب مسلم بن عقيل عليه السلام ، وتمارس حربا نفسية ضدّ الأبرار من خلال زجّهم في دائرة الانتهازيين الذين يركضون وراء السراب ، ويسيل لعابهم للمال ، ويغرّهم الطمع ، فيبيعون كلّ شيء من أجل « بدرة الدراهم » ، ويخلب شعورهم الدينار ، فيبوحون بالأسرار !!

ص: 115

هكذا هم زعانف البلاطات ، والحشرات الضئيلة التي تطوف بموائد السلطان ، والكلاب السائبة التي تتسكع على أبواب الدواوين الملكية في الحكم الأموي .

وهم يعلمون أنّ هذه الروح لا يستسيغها الطبع البشري السليم فضلاً عن المؤمن المتربّي في سرادق المدرسة النبوية العلوية الحسنية والحسينية .

إلاّ أنّ هذا لا يمنع أن يحاولوا تشويه الإشعاعات المتصلّة بالنور الحسيني المتوهّج في وجوه الأنصار الأبرار الذين طابوا وطابت الأرض التي فيها دفنوا .

ونفس هذا التركيز يثير في النفوس الأبية تشكيكا قويّا يمنعهم من قبول القصّة كلّها أساسا .

وذلك أنّ العرض الذي قدّمه ابن زياد يؤكد أنّهم سيطمئنون اليه ، ويكشفون له أسرارهم بمجرّد أن يدفع لهم المال .

ص: 116

« فإنّك لو قد أعطيتها - يعني الدراهم - إياهم اطمأنوا إليك ! ووثقوا بك ! ولم يكتموك شيئا من أخبارهم .. » .

ص: 117

الملاحظة السابعة: أخذ مسلم المال

من المفارقات الغريبة في قصّة معقل أنّه حاز على مواقف وتعامل خاص من مسلم بن عقيل عليه السلام وابن عوسجة وغيرهما ما لم يسجّله التاريخ لسواه ، ولم يحظ به أحد غيره .

ومن هذه المفردات الخاصة بمعقل تسلّم المال منه على وجه الخصوص ، بالرغم من مجهوليته والغموض الذي يلفّ شخصيته ، وظهوره المفاجئ في مسرح الأحداث كرجل غريب في مدينة متوترة تشنجّت كلّ سككها وحاراتها ودورها .

ومع ذلك : فإنّ مسلما عليه السلام قبل منه المال ، فيما يروي لنا المؤرخ نفسه : أنّ الناس قد بذلوا لمسلم عليه السلام الأموال فلم يقبل منها شيئا .

قال ابن أعثم في الفتوح والخوارزمي في المقتل وغيرهما :

ص: 118

« ثم بذلوا الأموال فلم يقبل مسلم بن عقيل منها شيئا(1) » .

ص: 119


1- الفتوح لابن أعثم : 5/57 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 1/197 .

الملاحظة الثامنة: سرعة الإطمئنان عند مسلم عليه السلام وأصحابه

ومن المفارقات الغريبة الأخرى في قصّة معقل : أنّ الحظّ كان حليفه بشكل يثير العجب عند كلّ قارئ ، بحيث لم يلتفت اليه أحد أبدا ، ولم يشكّ فيه قريب ولا بعيد .

والأكثر من ذلك تخاله من خلال ما رسمه لنا المؤرخ من هيمنة شخصيته واستسلام الجميع له ، وكأنّه ساحر يسيطر على القلوب ، ويتسلّط على النفوس ، فيركن اليه ابن عوسجة فورا ، كما يقول البلاذري : « فركن ابن عوسجة إليه !!! وقال له : الرجل القادم من قبل الحسين بن علي هو مسلم بن عقيل ، وهو ابن عمّه ، وأنا مدخلك إليه » .

ويجعله ابن أعثم مقرّبا يدنيه مسلم بن عقيل عليه السلام منذ اللحظة الأولى ، ويكون عنده ذا حظوة ومكانة وزلفى « فأدخله على مسلم بن

ص: 120

عقيل ، فرحّب به مسلم ، وقرّبه وأدناه !! وأخذ بيعته ، وأمر أن يقبض منه ما معه من المال .

فأقام معقل مولى عبيد اللّه بن زياد في منزل هانئ يومه ذلك » .

وينال موقعا لا يناله الأقربون بسهولة في مثل تلك الظروف العصيبة، فيدخل على مسلم بن عقيل عليه السلام دون استئذان ، كما أفاد الدينوري : « فكان الشامي يغدو إلى مسلم بن عقيل ، فلا يحجب عنه ، فيكون نهاره كلّه عنده » .

تنميق غير موفّق ، وتأليف غير متجانس ، يأباه من له أدنى دراية بالمجتمع الكوفي آنذاك ، فضلاً عن معرفة رجال الحقّ الذين تعاملوا معه حسب القصّة .

رجل شامي . . من الشام الذي ما تخلّى عن العداوة والبغضاء لأهل البيت عليهم السلام ساعة من دهره - يومذاك - يركن له ابن عوسجة ، ويقرّبه ويدنيه ابن عقيل عليه السلام ، ثم يكون بمستوى من الوثاقة بحيث لا يحجب ؟!!

ص: 121

الملاحظة التاسعة: كيف حصل معقل على هذا الموقع دون غيره

ومن الخصائص العجيبة التي صاغها يراع المؤرخ لتزويق حكايته :

أنّ العدد الهائل الذي بايع مسلم بن عقيل عليه السلامفي الكوفة بالأرقام الضخمة التي

ذكرناها فيما تقدّم من الكلام ، وفيهم من رجال الكوفة وشخصياتها ، وجماعة الناس وأعراضها ، لم يبلغ أحدهم ولا جماعة منهم خلال فترة وجود مسلم بن عقيل عليه السلام في الكوفة ما بلغه معقل خلال فترة وجيزة !!

ص: 122

الملاحظة العاشرة: لا تتمتن العلاقة خلال هذه الفترة

لو افترضنا الأمر بين شخصين عاديين من عرض الناس ، لا يمكن أن نتصوّر تمتين العلاقة بينهم الى حدّ الدخول دونما يحجب ، والاستمرار في الجلوس في الديوان منذ الصباح الى المساء ، حتى لو كانت العلاقة ضمن الظروف الطبيعية ، والمناخ الاجتماعي الهادئ .

فكيف نقبل ذلك ونصدّق ببساطة متانة العلاقة بين معقل والرجل المهمّ في المجتمع الكوفي ابن عوسجة ، وبعد ذلك بين معقل والقائد الأول في الكوفة مسلم بن عقيل عليه السلام .

شخصيات كبيرة ، ووجودات ضخمة ، تحفّها هالات من القداسة والاحترام والحشمة ، لا يكون من السهل على معقل « المولى » وأمثاله ، بل على من كان فوق ذلك

ص: 123

في السلم الإجتماعي أن يقتحم بهذه الانسيابية والعفوية حدودها وحرمها ، ويكون في عدادهم ، وعلى مستوى واحد معهم ، ويزيد على ما هم عليه ، فيدخل ولا يحجب ، ويسمح له بما لا يسمح لغيره ، ويقرّب ، ويلازم المجلس بينهم .

لا أظن أنّ مسلم بن عوسجة نفسه كان يدخل على مسلم عليه السلام دون استئذان ، ولا أحسب أنّ كبار الرجال الآخرين كانوا يدخلون عليه هكذا ولا يحجبون !!

هذا في الظرف العادي ، أمّا في الجو المشحون بالمفاجآت ، والأيام العسيرة التي تجعل الشكّ والحيطة والحذر من أبجديات وأولويات التعامل الإجتماعي بين الأفراد والقيادات ، فممّا لا يمكن المصير اليه بهذه السهولة التي تسترسل بها قصّة « معقل » .

ص: 124

الملاحظة الحادية عشرة: قصة معقل بعد قصة الإغتيال

كانت « قصّة معقل » بعد « قصّة الاغتيال » ، لأنّ النصوص المذكورة آنفا أفادت أنّ لقاء معقل كان قبل موت شريك ، ودخوله كان

بعد موته .

وهذا يعني أنّ ثمّة فترة زمنية كانت بين دخول ابن زياد الكوفة واكتشاف معقل مكان ابن عقيل عليه السلام .

وقد مرّ معنا في أكثر من نصّ أنّ غاية ما كان يطمح اليه ابن زياد معرفة مكان ابن عقيل عليه السلام .

وفي هذا دلالة واضحة على بلادة ابن زياد ومعقل ، وكلّ من ساهم في هذه العملية الجاسوسية من قبل الطاغية .

لأنّ المفروض في مثل هذه الأجهزة الأمنية التي يصفونها بالمهارة والبراعة

ص: 125

والذكاء والخبرة والحذق أن تكون قد اكتشفت مكان مسلم عليه السلامقبل ذلك .

بل لا يحتاج الأمر الى اكتشاف ، لأنّه لم يكن ثمّة أمر تحت الغطاء ينتظر من يكشف عنه ، بعد كلّ ذاك العدد الهائل الذي بايع مسلم بن عقيل عليه السلام ، واتصل به بشكل من أشكال الاتصال ، ورآه ودخل عليه ، إن في دار ابن عوسجة ، أو في دار هاني ، كما أكّدت النصوص ذلك .

وكانت دار ابن عوسجة مألفا يختلف اليه الشيعة ، وكان معقل - حسب الراوي - يختلف اليه فيمن يختلف ، فما هو السرّ الذي رصده الأعمى اللقيط ابن زياد ؟!

وربما كان المؤرخ يعدّ العدّة ويهيئ الأذهان لقبول الفصل الآخر من حكايته التي دبّج فيها قصّة إغتيال ابن زياد ، وعرضه فيها بطلاً حاذقا هو ومولاه ، حيث التفت الى ما يجري حوله، أمّا هو مباشرة، وإمّا بإشارة من مولاه،

ص: 126

فغادر المكان(1) .

ومن العجيب أنّ محاولة الإغتيال لا تعدّ جريمة يؤاخذ عليها هاني ، ولا يحاسبه عليها ابن زياد ، وينتظر حتى يدخل معقل الى دار هاني ليكون حضوره عندهم وحده كافيا للتجريم والمؤاخذه والإمساك به متلبسا بالخيانة ؟!!

ص: 127


1- لنا على قصة الاغتيال تحفظا سنفرد له كتيبا خاصا إن شاء اللّه تعالى .

الملاحظة الثانية عشرة: ما الفائدة من تأجيل دخول معقل على مسلم عليه السلام ؟

مرّ معنا ما في نقل المؤرخين من الإرتباك والتهافت في تصوير إدخال معقل على مسلم عليه السلام ، فمنهم من أدخله فورا على ابن

عقيل عليه السلام ، ومنهم من وعده غدا ، أو أدخله

بعد أيام .

وأفادت النصوص أنّ سبب التأخير انشغالهم بتجهيز شريك .

غير أنّ بعض المحقّقين إستفاد من التأجيل والتأخير نقطة للدفاع عن مسلم بن عوسجة بعد قبول الخبر .

فقال : « إنّ تأخير الدخول كان خطوة احترازية من ابن عوسجة ، ليتأكد من نوايا معقل ، ويسبر أبعاد شخصيته ، ويتعرّف على حقيقة هويته ، ويتّخذ الموقف معه على علم .

ص: 128

لذا أمره بالاختلاف اليه أياما في منزله على أمل أن يطلب له الإذن من صاحبه(1) ..» .

غير أنّ هذا التحرّز لم ينفع ابن عوسجة حسب التقدير المذكور ، لأنّ المؤلف - حفظه اللّه - قرّر في معرض بيان عبقرية ابن زياد وفطنة معقل ومهارتهما « في فنّ التجسس أنّ ابن زياد أوصى معقلاً أن يتظاهر بأنّه رجل من أهل الشام ، ومن أهل حمص بالذات ، ذلك حتى لا يكون بإمكان مسلم بن عوسجة أن يسأل عن حقيقة حاله في قبائل الكوفة » .

فهل غفل ابن عوسجة عن هذه الملاحظة ، واعتقد أنّه يستطيع أن يسأل عنه ؟! حشا للّه !

فما معنى تأخيره إذن ؟ وهل كان يفحص عنه خلال هذه الفترة ؟

أولا :

إنّنا لم نسمع في التاريخ أنّ ابن عوسجة سأل عنه أو تفحّص ، بل على العكس أفادت

ص: 129


1- انظر مع الركب الحسيني : 3/95 .

المصادر كلّها أنّه أظهر سروره به ، وأنّه وعده منذ اللقاء الأول ، ولم يتنكّر له ، أو يدفع عن نفسه العلم بسفير الحسين عليه السلام ومكانه .

فهو قد مشى معه أكثر من نصف الطريق ، وسلّمه مفتاح ما يريد منذ أن اعترف له بعلمه بمسلم عليه السلام ومكانه ، فإنّهم إن لم يصلوا الى مسلم عليه السلام ، فقد وصلوا الى من يعلم مكانه - حسب القصة - .

ثانيا :

إنّ غرض التأخير الذي صرّح به التاريخ الانشغال بتجهيز شريك ، ليس إلاّ .

ثالثا :

إذا كان الغرض من التأخير الفحص ، فكيف نتصوّر أنّه فحص في تلك الأجواء الملتهبة ، ثم لم يحصل على معلومة تفيده - على أقلّ التقادير - أنّ هذا الرجل غير معروف ، ولابد والحال هذه أن يحتاط من رجل مجهول يريد أن يقتحم « عرين الثوار » فضلاً عن كونه من موالي ابن زياد .

ص: 130

رابعا :

ثم ما فائدة التأخير وقد أخذ عليه المواثيق منذ اللقاء الأول ، بل قد بايع له كما في بعض النصوص .

* * *

ونلاحظ أنّ نصّ المؤرخ الأول يؤكد أنّ ابن عوسجة ركن اليه ، وأدخله منذ اللقاء الأول .

ولكن المؤرخ الذي تلاه عرف أنّ في هذا الكلام ثغرة تكشف الزيف ، وسوف يلتفت اليها القارئ بأدنى تأمل ، وربما قبل التأمل ، حتى لو لم يعرف ابن عوسجة وابن عقيل ، إلاّ أنّه يعلم أنّهم يعملون والطاغية في قصره يترصّد ، فلابد لهم من الحيطة والحذر .

فأضاف المؤرخ فيما بعد الى الخبر أخذ المواثيق والتأجيل وما شاكل ، لئلاّ تردّ القصّة من أول نظرة .

ص: 131

الملاحظة الثالثة عشرة: ما معنى استياء ابن عوسجة ؟

أفادت النصوص التاريخية أنّ ابن عوسجة استاء من تشخيص معقل ومعرفته « ولقد ساءتني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أن ينمى مخافة هذا الطاغي وسطوته » .

فما معنى استياءه هذا ومسلم يعرف نفسه جيدا ، ويعلم أنّه وجه شيعي معروف في الكوفة ، ومن رجالهم وجماجمهم وأعمدتهم .

بل كان بالأمس القريب جدّا في نفس تلك الأيام يحتضن التحرّك وقيادته في داره حتى بايع مسلم بن عقيل عليه السلام في بيته عدد هائل مرّت الإشارة اليه .

فما أسهل الوصول اليه ومعرفته ، وهل كان يخفي ابن عوسجة علاقته بمسلم بن عقيل عليه السلام وحركته والمبايعة له ، وقد ساهم شخصيا في أخذ البيعة للحسين عليه السلام ،

ص: 132

وكان معروفا بذلك في الأوساط العامة ، وكان بيته مألفا يختلف اليه الناس في نفس تلك الفترة(1) .

ص: 133


1- انظر كتاب مسلم بن عوسجة للمؤلّف .

الملاحظة الرابع عشرة: علم مسلم هل يسوغ عمل ابن عوسجة ؟

أفادت بعض المصادر أنّ ابن عوسجة استأذن لمعقل على مسلم بن عقيل عليه السلام ، ومؤدّى هذا الخبر أنّ « المسلمَين » شريكان في تمرير عملية الإختراق الموفق !!!

وقد استفاد بعض المحقّقين من هذه النقطة بالذات في محاولة الدفاع عن ابن عوسجة، وتسويغ فعله، وإثبات عدم تقصيره، فقال :

« قد يأسف المتتبع باديء ذي بدء للسهولة التي تمّت بها عملية إختراق حركة مسلم بن عقيل من داخلها على يد الجاسوس معقل مولى عبيد اللّه بن زياد من طريق مسلم بن عوسجة الأسدي . . .

وفي ظنّ المتتبع - المتتبع أيضا ! وليس

ص: 134

العابر - أنّ على مسلم بن عوسجة أن يحذر أكثر ويحتاط حتى يطمئن تماما الى حقيقة هوية معقل الجاسوس قبل أن يدلّه على مكان مسلم بن عقيل أو يستأذن له في الدخول عليه ليخترق بذلك الحركة من داخلها !!

لكن ما وقع فعلاً هو أنّ ابن عوسجة لم يكن قد قصّر في حذره وحيطته ، غير أنّ معقلاً كان فعلاً ماهرا في صناعته وخبيرا فيما انتدب اليه(1) !! » .

ثم بدأ الكاتب بالدفاع عن ابن عوسجة بعد التسليم بوقوع الحدث وقبول القصّة ، وقد أشرنا الى بعضها في ثنايا الكلام .

أمّا ما قاله في هذا المجال بالخصوص فهو كالتالي :

« . . . ثم لم يدخله على مسلم بن عقيل حتى طلب له الإذن ، فأذن له ، ولا شكّ أنّ

ص: 135


1- مع الركب الحسيني : 3/94 .

أخذ الإذن يتمّ بعد شرح ظاهر الحال الذي تظاهر به معقل(1) » .

فظاهر عبارة المؤلف - حفظه اللّه وسدده ورعاه - أنّ ابن عوسجة معذور في ذلك ، لأنّه قد أمضى فعله من قبل مسلم بن عقيل عليه السلام .

ومؤدّى العبارة أنّ مسلم بن عقيل عليه السلام

كان شريكا لابن عوسجة في تمرير عملية الإختراق ، لأنّه بالرغم من شرح القصّة ، وبيان طريقة التعرّف التي أثارت عندنا الشكّ والريب والتوجس غير أنّها لم تحرّك في مسلم بن عقيل عليه السلام أيّ هاجس ، فأذن له ؟!!

كنّا في ورطة فوقعنا في ورطتين ، وكان مدار التهمة ابن عوسجة ، ثم تمدّدنا في حريم مسلم بن عقيل (2) !

غفرانك اللّهم وتوفيقك وتسديدك ورضاك!

ص: 136


1- مع الركب الحسيني : 3/95 .
2- قد يقال : « إنّ القول بأنّ ابن عوسجة قد أخبر مسلما عليه السلام بمجري-ات اتص-ال معق-ل بهم - على فرض صحّة قصة معقل - ثم استأذن له عليه لا يشكّل إساءة لسيدنا مسلم بن عقيل عليه السلام ، بل هو تزكية لابن عوسجة ، لأنّ مفاد هذا أنّ معاملته لمعقل كانت معاملة مدروسة واعية في حسابات منافع الثورة واحتياطاتها وإقرار سيدنا مسلم عليه السلام لعمله هذا دليل على أنّ هذين القائدين العظيمين لم يكونا يخشيان من اقتراب معقل أيّ محذور فى حال الاحتياط منه ، بل لعلّهما قاما من خلال معقل - أو أرادا أن يقوما - باختراق لابن زياد مقابل لاختراقه فيسربا له عن الثورة ورجالها معلومات خاطئة ، وهذا ما يسمّى بالتجسس والتجسس المضاد. وقولكم في ثنايا البحث أنّ معقلاً لم يحصل إلاّ على معرفة مكان مسلم عليه السلام وهو ليس بالأمر الخفي تماما يؤكد هذا ، بل إنّ التاريخ لا يذكر أنّ ابن زياد استطاع أن يداهم مقرّا من مقرّات مسلم عليه السلامأو يعتقل رجلاً من رجاله قبل وقوع النهضة ، وحتى بعد اعتقال هانى ء . . وهذا دليل يقوّي هذا الإحتمال . . والتاريخ لا يسجّل السرار ! » . وهو كلام جيّد، ولكن لادلالة عليه في النصوص التاريخية - صراحة ولا تلويحا - وسرار التاريخ تحتاج الى دلائل وشواهد أكثر من ذلك . ولو بقينا نحن والنصوص الموجودة بأيدينا فعلاً نلاحظ خلاف ما قيل ، لأنّ النصوص تؤكد أنّ ابن عوسجة بادر فورا للإعتماد عليه والركون اليه ، وعرّفه باسمه واسم السفير المبعوث وأخذ منه البيعة والمواثيق ووعده الدخول على مسلم بن عقيل عليه السلام ، وغير ذلك ممّا يحمّل ابن عوسجة مسؤولية ما جرى قبل استشارة مبعوث الحسين عليه السلام - وهذا بنفسه إشكال يواجه القصّة لمعرفتنا بانضباط ابن عوسجة ودقّته في التصرفات وتسليمه لأهل البيت عليهم السلام ويشهد لذلك امتناعه من رمي شمر يوم العاشر من المحرم واستئذانه سيد الشهداء عليه السلام قبل اتخاذ الموقف مع وضوح التكليف فيه وقد أتينا على بيان هذه الخصلة في سيدنا مسلم بن عوسجة في كتابنا - مسلم بن عوسجة أول شهداء اللّه في معسكر الحسين عليه السلام - . وكيف كان ، فمؤشرات الحدث المروي في التاريخ لا تنهض بهذا الاحتمال ، بل تشير الى خلافه ، واللّه العالم .

ص: 137

ص: 138

الملاحظة الخامس عشرة

زعم البعض أنّ سيدنا مسلم بن عوسجة أحسّ بما فعل ، وتألّم لما حصل ، وعلم - عاقبةً - نتائج ما به تساهل ، هكذا يقولون أو يتقوّلون ، وهي نتيجة طبيعية لما يروون وينقلون .

فلو كان كما يزعمون : أنّه بدر من ابن عوسجة ما بدر من حيث يدري أو لا يدري - وهو لا شكّ أعلم بما فعل على حدّ زعم من نسب اليه هذا الفعل - فإنّنا عرفنا في مسلم بن عوسجة الشجاعة والإقدام وحبّ الآخرة والتواضع للحقّ ما رأيناه واضحا جليّا في موقفه الكربلائي ، وقبل ذلك أيضا .

فمن المفروض في مثل هذا الشجاع الفحل أن يثوب ويؤوب ويتوب من ذنب عظيم يعدّ أكبر من أعظم الذنوب ، وأكبر من جميع الكبائر على حدّ تصويرهم وزعمهم .

ص: 139

غير أنّ المتتبّع الخبير ، والمتبحّر السابر لأعماق التاريخ ، لم يسمع ولم يقرأ - الى يومنا هذا - أيّ مؤشر صريح أو غير صريح يؤكد أو يفهم منه ، ولو على نحو الإحتمال ، أنّ مسلم بن عوسجة ندم على ما فرّط ، أو أعلن توبته بين يدي مسلم بن عقيل عليه السلام ، أو سيد الشهداء الحسين عليه السلام ، أو قال ذلك بالخفاء ليسجّله الراوي وينقله لنا التاريخ .

ولم يسجّل له التاريخ والرواة أدنى عبارة أو مفردة تلوّح بما أُدعي عليه بعد ذلك اللقاء المزعوم في أيّ موقف وموطن وقف فيه ابن عوسجة متكلّما أو قام فيه خطيبا ، إن في الكوفة أو في الطريق الى كربلاء ، أو يوم عاشوراء ، ولو كان لبان .

وإنّما لم تكن التوبة ، لأنّ الذنب لم يصدر .

ص: 140

الملاحظة السادس عشرة: لوازم التصديق بهذه القصّة

التصديق بمضمون هذه القصّة يؤدي - عاقبةً - الى التشكيك فيحنكة « المسلمَين » ، وأنّهما قد « استغفلا » و« خدعا! » ، والاعتقاد بحذق ابن زياد ومعقل .

حتى عبّر بعض المحقّقين عن معقل بقوله : « وكان فطنا ذكيا » ، فيما عبّر عن ابن عقيل وابن عوسجة وأصحابه « إنّ القوم ! قد خدعتهم المظاهر المزيفة . . » !! .

وأكّد بعضهم على مهارة ابن زياد ومعقل(1) ، وأكّد أنّ معقلاً كان قد أحكم

خطّته ، وأتقن تمثيل دوره المرسوم له ، وبرع في ذلك(2) !!

ص: 141


1- انظر مع الركب الحسيني : 3/95 .
2- انظر مع الركب الحسيني : 3/95 .

فيما أثار موقف ابن عوسجة عندهم الاستغراب والحيرة فعلاً (1).

واتهم البعض ابن عوسجة - تصريحا أو تلويحا - بالبساطة والسذاجة والتسرّع والعفوية، وصار يستخلص منه الدروس والعبر الأمنية ، وربما تفضّل عليه قائلاً : « إنّ ابن عوسجة لا شيء عليه في ذلك ، ولو كان عليه شيء فقد غسل عنه موقفه الكربلائي ذلك » .

هل غاب عن الصحابي - تلميذ أمير المؤمنين عليه السلام - ابن عوسجة ، وصهره المترعرع في كنفه ابن عقيل عليه السلام روايات التقية ، وحرمة إذاعة السرّ ، ومآل من أذاع حديثهم ، وفرّط في كشف أمرهم ؟!

وهل سمعنا قول أمير المؤمنين عليه السلام : الطمأنينة الى كلّ أحد قبل الإختبار من قصور العقل(2) .

ص: 142


1- انظر مع الركب الحسيني : 3/96 .
2- غررالحكم، عيون الحكم والمواعظ للواسطي:59.

وسمعنا قولهم عليهم السلام أيضا : إذا كان الزمان زمان جور ، وأهله أهل غدر ، فالطمأنينة الى كلّ أحد عجز(1) .

وقولهم عليهم السلام : امتحنوا شيعتنا عند ثلاث : عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها ، والى أسرارنا كيف حفظهم لها عن عدونا ، والى أموالهم كيف مواساتهم لاخوانهم فيها(2) .

وقولهم عليهم السلام : لا تطلع صديقك من سرّك إلاّ على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرّك ، فإنّ الصديق قد يكون عدوا يوما ما(3) .

سمعنا نحن هذا الكلام ! ولم يسمعه أولئك المؤمنون حقّا الذين عاصروا الأئمة والمعصومين ، وعاشوا معهم .

أوَ في أحد جرأة وتمادي حتى يذكر هذه الأحاديث بعد أن يذكر قصّة مسلم بن

ص: 143


1- تحف العقول : 357 .
2- قرب الإسناد : 78 ، الخصال للصدوق : 103 .
3- أمالي الصدوق : 767 ح1036 ، تحف العقول : 312 .

عوسجة ، واقتحام معقل لعرين الثورة ، ثم يحلّق في التحليل واستخلاص الدروس ممّا حدث ، كما فعل بعض أفاضل العلماء في حديث إذاعي له . . .

طرح هذا الخبر والتريّث في قبول القصّة ، ومناقشتها واسقاطها - عاقبةً - أولى من قبول هذه النتيجة البائسة .

لأنّ الميزان عندنا معرفتنا بهذين السيفين من سيوف الحسين عليه السلام ، وما ورد فيهما عن الأئمة المعصومين عليهم السلام ، لا ما نقله لنا المؤرخ .

ص: 144

الملاحظة السابع عشرة: مؤرخون لم يذكروا الاختراق مطلقا

يلاحظ أنّ بعض المؤرخين لم يذكر عملية الاختراق المشؤوم مطلقا ، كما صنع ابن حبان في الثقات ، فقال :

. . فدخل عبيد اللّه بن زياد الكوفة حتى نزل القصر ، واجتمع إليه أصحابه ، وأُخبر عبيد اللّه بن زياد أنّ مسلم بن عقيل في دار هانئ بن عروة ، فدعا هانئا ، وسأله فأقرّ به ، فهشم عبيد اللّه وجه هانئ بقضيب كان في يده حتى تركه وبه رمق(1) . . .

ص: 145


1- الثقات لابن حبان : 2/307 .

الملاحظة الثامن عشرة: مؤرخون لم يذكروا الاختراق كالمشهور

من المؤرخين والرجاليين من لم يذكر الاختراق بالشكل المشهور ، منهم :

ابن سعد ( ت 230 ه ) في طبقاته وهو أقدم المؤرخين الذين ذكرناهم في بداية البحث ، فقال بعد أن روى قصّة عيادة ابن زياد لشريك بن الأعور في بيت هانئ وخروجه بعد أن توجّس من الموقف :

فأنكر عبيد اللّه ما رأى منهم ، فوثب وخرج ، ودعا مولى لهانئ بن عروة كان في الشرطة ، فسأله ، فأخبره الخبر !! فقال: أو لا ؟

ثمّ مضى حتى دخل القصر ، وأرسل إلى هانئ بن عروة ، وهو يومئذٍ ابن بضع وتسعين سنة ، فقال : ما حملك على أن تجير عدوي وتنطوي عليه ؟!

ص: 146

فقال : يا ابن أخي ، إنّه جاء حقّ هو أحقّ من حقّك وحقّ أهل بيتك ...(1) .

ابن كثير في البداية والنهاية ، قال :

فلمّا استقرّ أمره أرسل مولى أبي رهم - وقيل : كان مولى له يقال له « معقل » - ومعه ثلاثة آلاف درهم في صورة قاصد من بلاد حمص ، وأنّه إنّما جاء لهذه البيعة ، فذهب ذلك المولى فلم يزل يتلطّف ويستدلّ على الدار التي يبايعون بها مسلم بن عقيل حتى دخلها ، وهي دار هانئ بن عروة التي تحوّل إليها من الدار الأولى ، فبايع وأدخلوه على مسلم بن عقيل فلزمهم أياما حتى اطلع على جلية أمرهم ، فدفع المال إلى أبي ثمامة العامري بأمر مسلم بن عقيل - وكان هو الذي يقبض ما يؤتى به من

ص: 147


1- ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد : 66 .

الأموال ويشتري السلاح - وكان من فرسان العرب ، فرجع ذلك المولى ، وأعلم عبيد اللّه بالدار وصاحبها(1)(2) . .

ص: 148


1- البداية والنهاية لابن كثير : 8/164 .
2- ذكر الطبري في تاريخة والمزي في تهذيب الكمال وابن حجر في تهذيب التهذيب وغيرهم خبر الاختراق ولكنّهم نصّوا أنّ العملية تمّت من خلال شيخ يلي البيعة من دون ذكر اسم مسلم بن عوسجة ولا الاستئذان من سيدنا مسلم بن عقيل ، قالوا : فدعا مولى له فأعطاه ثلاثة آلاف درهم ، وقال : اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايع أهل الكوفة ، فأعلمه أنّك رجل من أهل حمص جئت لهذا الأمر ، وهذا المال تدفعه إليه ليقوي به . فخرج الرجل فلم يزل يتلطّف ويرفق حتى دلّ على شيخ يلي البيعة ، فلقيه فأخبره الخبر ، فقال له الشيخ : لقد سرّني لقاؤك إيّاي ولقد ساءني ذلك ، فأمّا ما سرّني من ذلك فما هداك اللّه له ، وأمّا ما ساءني فإنّ أمرنا لم يستحكم بعد . فأدخله على مسلم ، فأخذ منه المال وبايعه ورجع إلى عبيد اللّه فأخبره . . انظر : تاريخ الطبري : 4/258 ، تهذيب التهذيب لابن حجر : 2/302 ، تهذيب الكمال للمزي : 6/424 . وهذه النصوص وإن كانت تذكر الاختراق إلاّ أنّها تصوّره كأيّ عملية اختراق يمكن أن تتعرّض العساكر والجيوش والحركات ، حيث دخل الجاسوس ضمن الآلاف الذين بايعوا من خلال رجل لا يعلم من هو بالضبط ، وربما كان من تلك الآلاف الذين بايعوا في يوم ما .

فإذا كانت بأيدينا نصوص لا تذكر الاختراق أصلاً أو تذكره بصورة يمكن أن تجعل الجاسوس شخصا عاديا لم يستغفل المسلمَين ، وإنّما دخل كما دخل الآلاف على سيدنا مسلم عليه السلام وبايعه كما بايعوه ، فلماذا الإصرار على تلك القصّة بالخصوص ؟!

ص: 149

ص: 150

الخاتمة

علينا أنّ نفهم قصّة مسلم بن عقيل عليهماالسلام

ضمن الصورة الكبيرة التي جهد الأمويون على رسمها ، في تشويه صورة أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين عليهم السلام وأصحابهم الغرّ الميامين ، وتقديمهم الى التاريخ كأشخاص لا يعرفون من السياسة والتعامل الاجتماعي شيئا ، فيما يرسم لنا آل أمية وأذنابهم في صور مضلّلة ، كأنّهم دهاة السياسة وعفاريت التاريخ ؟

وقد استهدف مسلم بن عقيل عليهماالسلام

استهدافا خاصا من قبل الأمويين ، فلو قرأته في تاريخهم تجده رجلاً خائفا متلدّدا مختفيا يطارده ابن زياد وهو في « الخزانة » ! و« بيت

ص: 151

المخدع في بيت هاني » ! ، وكأنّ زمام المباردة بيد ابن زياد ، ومسلم عليه السلام هو المطارد الخائف .

وليس الأمر كذلك، بل كان ثقة الحسين عليهماالسلام الواثق ، وحفيد أبي طالب عليه السلامالذي « لو ولد العرب كلّهم لكانوا شجعانا » بيده زمام المبادرة ، وتقدير الأمور ، ولم يكن الدعي ابن الدعي ابن الأمة الفاجرة بأكثر حنكة وحذقا من رجال الحسين عليه السلام .

وليس المقام مقام بيان ما استهدفه التاريخ من حربه ضدّ مسلم بن عقيل عليه السلام غير أنّنا نقول بكلمة واحدة :

إنّ المؤرخ حاول أن يخدش القيام الفاطمي العلوي الحسني الحسيني من خلال خدش الشخصيات المحيطة به ، ورميهم بالخرق والسذاجة وغيرها من العناوين التي لا يحسن ذكرها ، ليصادروا القيام منذ الاختيار الأول لسيد الشهداء عليه السلام ، فإذا كان هذا اختيار سيد الشهداء عليه السلام ، وهذا هو ممثله

ص: 152

وآخذ البيعة له وسفيره وثقته ، فكيف بالخطوات التالية للخطوة الأولى الخاطئة - أستغفر اللّه - ، كما يريد أن يصوّرها لنا الأمويون وأذنابهم .

* * *

وكيف كان ، فإنّ الحرب ، وإن كانت تستتبع حرب المعلومات والتجسس ، ويعدّ التجسّس - قديما وحديثا - من أهمّ أركان المعارك والحروب ، فليكن لابن زياد جواسيس كما كان لمسلم بن عقيل عليه السلام

جواسيس على القصر ، ولا حزازة في أن تخترق الجيوش والحركات ، ولكن أن تخترق بهذه الصورة الفجّة التي تشين برجال الحسين عليه السلام ، فهذا ما لا يمكن المصير اليه .

ولنا في اختيار السيد ابن طاووس والسيد بحر العلوم وغيرهما ما يؤيد ويؤكّد التشكيك في قصّة الإختراق ، بل نفيها .

* * *

ص: 153

أو ليس من الأحرى بنا - إذن - أن نقول :

إنّ المؤرخ الذي عاش في بلاط السلطان ، وعمل على إقناع التاريخ بما أملاه عليه ، قد خدعنا بقصّته المزيفة ؟ بدلاً من أن نسلّم باستغفال « المسلمَين » ، ونقول :

« إنّ القوم ! - يعني مسلم بن عقيل عليه السلام

ومسلم بن عوسجة وأبا ثمامة الصائدي وأمثالهم من سيوف الحسين عليه السلام ورجاله - قد خدعتهم المظاهر المزيفة » .

أو أن نفترض أنّ ثمّة لوما أو إتهاما بالسذاجة يمكن أن يجيش في النفس ويوسوس في الصدر ، فنعالجه بالأمر بالتأدّب والتوقّف .

والحال علينا أن نرفض كلّ ما يمسّ قدسية أصحاب الحسين عليه السلام أو يشكّك في مواقفهم .

أو ليس من الأحرى أن نقول : إنّ المؤرخ العامل ضمن المخطط الإعلامي الدقيق لأعداء أهل البيت عليهم السلام كان ماهرا في

ص: 154

صناعته ، وخبيرا فيما انتدب اليه من تنميق أكذوبته ؟

فغرّنا وأوهمنا فظننّا في ابن عوسجة - أول شهيد من شهداء اللّه وأول من شرى نفسه ومن مشى اليه الحسين برجله وأبّنه ، وشكر له الإمام صاحب الأمر استقدامه ومواقفه - ظنّ سوء !

فكيف سنواجهه - ومسلم بن عقيل - غدا يوم القيامة ، وقد طوّقناه دماء كربلاء التي سكنت الخلد ، وحمّلناه كلّ ما جرى من دماء ، وابتلينا به من إخفاقات !! منذ لقائه بمعقل الى أن يظهر المولى صاحب الأمر الثائر لابن عوسجة .

* * *

صلّى اللّه على الشهيد المظلوم ابن المظلوم مسلم بن عقيل ، وعلى الشهيد المظلوم مسلم بن عوسجة والمستشهدين تحت لواء سفير الحسين عليه السلام واللعن على أعدائهم أجمعين .

ص: 155

ص: 156

الفهارس

المقدّمة··· 5

القصّة في المصادر التاريخية

( 13 - 54 )

البلاذري (ت 279) في أنساب الأشراف··· 15

نقاط مهمة في نص البلاذري··· 17

الدينوري (ت 282) في الأخبار الطوال··· 19

نقاط مهمة في نصّ الدينوري··· 23

الطبري في تاريخ الطبري ( ت 310 )··· 27

نقاط مهمة في نصّ الطبري··· 31

أحمد بن أعثم الكوفي ( ت 314 ) في كتاب

الفتوح··· 35

نقاط مهمة في نصّ ابن أعثم··· 40

أبو الفرج الأصفهاني ( 356 ) في مقاتل

الطالبيين··· 44

نقاط مهمة في نص أبي الفرج··· 47

ص: 157

الشيخ المفيد ؛ ( ت 413 ) في الإرشاد··· 48

نقاط مهمة في نص الشيخ المفيد··· 51

الفتال النيسابوري ( ت 508 ) في روضة

الواعظين··· 52

مقارنة بين النصوص

( 55 - 70 )

أولاً : هوية معقل··· 57

ثانيا : كمية المال··· 57

ثالثا : مصرف المال··· 57

رابعا : مكان اللقاء··· 58

خامسا : جهل معقل بطريقة التأتي··· 58

سادسا : كيف عرف معقل ابن عوسجة··· 59

سابعا : من يحبّهم معقل··· 60

ثامنا : علم معقل بالقادم··· 60

تاسعا : ركون ابن عوسجة لمعقل··· 60

عاشرا : وعد الدخول على مسلم··· 61

الحادي عشر : من الذي قبض المال··· 61

الثاني عشر: المواثيق المأخوذة من معقل··· 62

الثالث عشر : التزام الدخول والخروج على

مسلم عليه السلام··· 62

ص: 158

الرابع عشر : تحديد مكان اللقاء ...··· 63

الخامس عشر : علم مسلم بالاختراق··· 63

السادس عشر : دخول معقل المتكرر··· 63

السابع عشر : عرض البيعة··· 64

الثامن عشر : اكتشاف مكان مسلم··· 65

التاسع عشر : من الذي قرر الدخ-ول عل-ى

مسلم عليه السلام··· 65

العشرون : تعليمات ابن زياد··· 66

الحادي والعشرون : من المطلوب في مهمة

معقل··· 66

الثاني والعشرون: ما هو المطلوب في مهمة

معقل··· 66

الثالث والعشرون: الغرض من تقديم المال··· 67

الرابع والعشرون : من الذي أخذ البيعة··· 67

الخامس والعشرون : اختلاف معقل الى ابن

عوسجة··· 68

السادس والعشرون : الاستئذان··· 68

السابع والعشرون : البيعة قرار معقل أو ...··· 68

الثامن والعشرون : تباكي معقل··· 69

التاسع والعشرون: زمن دعوة معقل للمهمّة··· 69

الثلاثون : الاختلاف في ولاء معقل··· 70

ص: 159

معالجة جملة

من المؤلفين للخبر

( 71 - 102 )

النمط الأول :··· 73

ابن شهرآشوب في المناقب··· 74

ابن نما لم ينقل الاختراق الفج··· 75

رواية ... بحرالعلوم في الفوائد الرجالية··· 76

اختيار السيد ابن طاووس··· 77

مفاد أقوال العلماء··· 80

النمط الثاني··· 82

ابن عوسجة يغتر بمعقل··· 83

معقل يوهم مسلم بن عوسجة··· 83

مؤاخذات الشيخ القرشي ...··· 85

معالجة الشيخ حسين الكوراني··· 92

معالجة الشيخ الطبسي··· 99

ملاحظات عامة

( 103 - 150 )

الملاحظة الأولى: المسلمان لايخدعان··· 105

الملاحظة الثانية : الشاهد والغائب انتبه الا

مسلم واصحابه!!··· 107

ص: 160

الملاحظة الثالثة : ما هي الحاجة الى

معقل ؟··· 108

الملاحظة الرابعة : هل يخفى خواص ابن

زياد على رجال الحسين؟··· 112

الملاحظة الخامسة : لم يذكر معقل في غير

هذه القصة··· 113

الملاحظة السادسة : الإغراء بالمال··· 115

الملاحظة السابعة : أخذ مسلم المال··· 118

الملاحظة الثامنة : سرعة الإطمئنان عند

مسلم عليه السلام وأصحابه··· 120

الملاحظة التاسعة: كيف حصل معقل على

هذا الموقع دون غيره··· 122

الملاحظة العاشرة : لا تتمتن العلاقة خلال

هذه الفترة··· 123

الملاحظة الحادية عشرة : قصة معقل بعد

قصة الإغتيال··· 125

الملاحظة الثانية عشرة: ما الفائدة من

تأجيل دخول معقل على مسلم عليه السلام ؟··· 128

الملاحظة الثالثة عشرة : ما معنى استياء

ابن عوسجة ؟··· 132

الملاحظة الرابع عشرة : علم مسلم هل

يسوغ عمل ابن عوسجة ؟··· 134

ص: 161

الملاحظة الخامس عشرة··· 139

الملاحظة السادس عشرة: لوازم التصديق

بهذه القصّة··· 141

الملاحظة السابع عشرة : مؤرخون لم

يذكروا الاختراق مطلقا··· 145

الملاحظة الثامن عشرة : مؤرخون لم

يذكروا الاختراق كالمشهور··· 146

الخاتمة··· 151

الفهارس··· 157

ص: 162

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.